المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَزُخۡرُفٗاۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلۡمُتَّقِينَ} (35)

34 - ولجعلنا لبيوتهم أبواباً وسرراً من فضة ينعمون بها ويتكئون عليها ، ولجعلنا لهم زينة من كل شيء ، وما كل ذلك المتاع الذي وصفناه لك إلا متاعاً فانياً مقصوراً على الحياة الدنيا ، وثواب الآخرة عند خالقك ومربيك مُعَد للذين اتقوا الشرك ، واجتنبوا الموبقات .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَزُخۡرُفٗاۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلۡمُتَّقِينَ} (35)

26

ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون . ولبيوتهم أبواباً وسرراً عليها يتكئون . وزخرفاً . وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا . والآخرة عند ربك للمتقين . .

فهكذا - لولا أن يفتتن الناس . والله أعلم بضعفهم وتأثير عرض الدنيا في قلوبهم - لجعل لمن يكفر بالرحمن صاحب الرحمة الكبيرة العميقة - بيوتاً سقفها من فضة ، وسلالمها من ذهب .

بيوتاً ذات أبواب كثيرة . قصورا . فيها سرر للاتكاء ، وفيها زخرف للزينة . . رمزاً لهوان هذه الفضة والذهب والزخرف والمتاع ؛ بحيث تبذل هكذا رخيصة لمن يكفر بالرحمن !

( وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا ) . .

متاع زائل ، لا يتجاوز حدود هذه الدنيا . ومتاع زهيد يليق بالحياة الدنيا .

( والآخرة عند ربك للمتقين ) . .

وهؤلاء هم المكرمون عند الله بتقواهم ؛ فهو يدخر لهم ما هو أكرم وأبقى ؛ ويؤثرهم بما هو أقوم وأغلى . ويميزهم على من يكفر بالرحمن ، ممن يبذل لهم من ذلك المتاع الرخيص ما يبذله للحيوان !

وإن عرض الحياة الدنيا الذي ضرب الله له بعض الأمثال من المال والزينة والمتاع ليفتن الكثيرين . وأشد الفتنة حين يرونه في أيدي الفجار ، ويرون أيادي الأبرار منه خالية ؛ أو يرون هؤلاء في عسر أو مشقة أو ابتلاء ، وأولئك في قوة وثروة وسطوة واستعلاء . والله يعلم وقع هذه الفتنة في نفوس الناس . ولكنه يكشف لهم عن زهادة هذه القيم وهوانها عليه ؛ ويكشف لهم كذلك عن نفاسة ما يدخره للأبرار الأتقياء عنده . والقلب المؤمن يطمئن لاختيار الله للأبرار وللفجار .

وأولئك الذين كانوا يعترضون على اختيار الله لرجل لم يؤت شيئاً من عرض هذه الحياة الدنيا ؛ ويقيسون الرجال بما يملكون من رياسة ، أو بما يملكون من مال . يرون من هذه الآيات هوان هذه الأعراض وزهادتها عند الله . وأنها مبذولة لشر خلق الله وأبغضهم عند الله . فهي لا تدل على قربى منه ولا تنبئ عن رضى ، ولا تشي باختيار !

وهكذا يضع القرآن الأمور في نصابها ؛ ويكشف عن سنن الله في توزيع الأرزاق في الدنيا والآخرة ؛ ويقرر حقيقة القيم كما هي عند الله ثابتة . وذلك في صدد الرد على المعترضين على رسالة محمد ؛ واختياره . واطراح العظماء المتسلطين !

وهكذا يرسي القواعد الأساسية والحقائق الكلية التي لا تضطرب ولا تتغير ؛ ولا تؤثر فيها تطورات الحياة ، واختلاف النظم ، وتعدد المذاهب ، وتنوع البيئات . فهناك سنن للحياة ثابتة ، تتحرك الحياة في مجالها ؛ ولكنها لا تخرج عن إطارها . والذين تشغلهم الظواهر المتغيرة عن تدبر الحقائق الثابتة ، لا يفطنون لهذا القانون الإلهي ، الذي يجمع بين الثبات والتغير ، في صلب الحياة وفي أطوار الحياة ؛ ويحسبون أن التطور والتغير ، يتناول حقائق الأشياء كما يتناول أشكالها . ويزعمون أن التطور المستمر يمتنع معه أن تكون هناك قواعد ثابتة لأمر من الأمور ؛ وينكرون أن يكون هناك قانون ثابت غير قانون التطور المستمر . فهذا هو القانون الوحيد الذي يؤمنون بثباته !

فأما نحن - أصحاب العقيدة الإسلامية - فنرى في واقع الحياة مصداق ما يقرره الله من وجود الثبات والتغير متلازمين في كل زاوية من زوايا الكون ، وفي كل جانب من جوانب الحياة . وأقرب ما بين أيدينا من هذا التلازم ثبات التفاوت في الرزق بين الناس ، وتغير نسب التفاوت وأسبابه في النظم والمجتمعات . . وهذا التلازم مطرد في غير هذا المثال .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَزُخۡرُفٗاۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلۡمُتَّقِينَ} (35)

وقوله : وَزُخْرُفا يقول : ولجعلنا لهم مع ذلك زخرفا ، وهو الذهب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس وَزُخْرُفا وهو الذهب .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : وَزُخْرُفا قال : الذهب . وقال الحسن : بيت من زُخرف ، قال : ذهب .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَزُخْرُفا الزخرف : الذهب ، قال : قد والله كانت تكره ثياب الشهرة . وذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «إيّاكُمْ والحُمْرَةَ فإنّها مِنْ أحَبّ الزّينَةِ إلى الشّيْطانِ » .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَزُخْرُفا قال : الذهب .

حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَزُخْرُفا قال : الذهب .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَزُخْرُفا لجعلنا هذا لأهل الكفر ، يعني لبيوتهم سقفا من فضة وما ذكر معها . والزخرف سمى هذا الذي سمى السقف ، والمعارج والأبواب والسرر من الأثاث والفرش والمتاع .

حُدثت عن الحسن ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَزُخْرُفا يقول : ذهبا . والزخرف على قول ابن زيد : هذا هو ما تتخذه الناس في منازلهم من الفرش والأمتعة والاَلات .

وفي نصب الزخرف وجهان : أحدهما : أن يكون معناه : لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومن زخرف ، فلما لم يكرّر عليه من نصب على إعمال الفعل فيه ذلك ، والمعنى فيه : فكأنه قيل : وزخرفا يجعل ذلك لهم منه . والوجه الثاني : أن يكون معطوفا على السرر ، فيكون معناه : لجعلنا لهم هذه الأشياء من فضة ، وجعلنا لهم مع ذلك ذهبا يكون لهم غنى يستغنون بها ، ولو كان التنزيل جاء بخفض الزخرف لكان : لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومن زخرف ، فكان الزخرف يكون معطوفا على الفضة . وأما المعارج فإنها جُمعت على مفاعل ، وواحدها معراج ، على جمع مِعرج ، كما يجمع المفتاح مفاتح على جمع مفتح ، لأنهما لغتان : معرج ، ومفتح ، ولو جمع معاريج كان صوابا ، كما يجمع المفتاح مفاتيح ، إذ كان واحده معراج .

وقوله : وَإنْ كُلّ ذلكَ لَمّا مَتاعُ الحَياةِ الدّنيْا يقول تعالى ذكره : وما كلّ هذه الأشياء التي ذكرت من السقف من الفضة والمعارج والأبواب والسرر من الفضة والزخرف ، إلا متاع يستمتع به أهل الدنيا في الدنيا وَالاَخِرَةُ عِنْدَ رَبّكَ لَلْمُتّقِينَ يقول تعالى ذكره : وزين الدار الاَخرة وبهاؤها عند ربك للمتقين ، الذين اتقوا الله فخافوا عقابه ، فجدّوا في طاعته ، وحذروا معاصيه خاصة دون غيرهم من خلق الله . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَالاَخِرَةُ عِنْدَ رَبّكَ لِلْمْتّقِينَ خصوصا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَزُخۡرُفٗاۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلۡمُتَّقِينَ} (35)

{ وزخرفا } وزينة عطف على { سقفا } أو ذهبا عطف على محل من فضة { وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا } إن هي المخففة واللام هي الفارقة . وقرأ عاصم وحمزة وهشام بخلاف عنه لما بالتشديد بمعنى إلا وأن نافية ، وقرئ به مع أن وما { والآخرة عند ربك للمتقين } عن الكفر والمعاصي ، وفيه دلالة على أن العظيم هو العظيم في الآخرة لا في الدنيا ، وإشعار بما لأجله لم يجعل ذلك للمؤمنين حتى يجتمع الناس على الإيمان ، وهو أنه تمتع قليل بالإضافة إلى ما لهم في الآخرة مخل به في الأغلب لما فيه من الآفات قل من يتخلص عنها كما أشار إليه بقوله : { ومن يعش عن ذكر الرحمن }

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَزُخۡرُفٗاۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلۡمُتَّقِينَ} (35)

واختلف الناس في " الزّخْرُف " – فقال ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، والسدي : الزُّخْرُف : الذهب نفسه ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إيّاكم والحمرة فإنها من أحب الزينة إلى الشيطان ) ( {[10203]} ) .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

الحُسْن أحمر والشهوات تتبعه . وقال ابن زيد : الزّخرف : أثاث البيت وما يتخذ له من الستور والنمارق( {[10204]} ) ونحوه ، وقالت فرقة : الزّخرف : التّزاويق والنقش ونحوه من التّزيين ، وشاهد هذا القول ( حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّيّنت ) ( {[10205]} ) . وقرأ جمهور القراء : ( وإن كل ذلك لَمَا ) بتخفيف الميم من [ لَمَّا ] ، فتكون [ إنْ ] مخففة من الثقيلة ، واللام في [ لَمَّا ] داخلة لتفصل بين النفي والإيجاب ، وقرأ عاصم ، وحمزة ، وهشام –بخلاف عنه- والحسن ، وطلحة ، والأعمش ، وعيسى : [ لَمَّا ] بتشديد الميم من [ لَمَّا ] ، ف [ إنْ ] نافية بمعنى ( ما ) ، و[ لَمَّا ] بمعنى ( إلاَّ ) ، وقد حكى سيبويه : «نشدتك إنْ لمَّا فعلت » ، وحمله على ( إلاَّ ) ، وفي مصحف أُبيّ بن كعب : «وما ذلك إلا متاع الحياة الدنيا » ، وقرأ أبو رجاء : [ لِمَا ] بكسر اللام وتخفيف الميم ، ف [ مَا ] بمعنى ( الذي ) والعائد عليها محذوف ، والتقدير : وإنْ كلّ ذلك للَّذي هو متاع الحياة الدنيا ، وفي قوله تعالى : ( والآخرة عند ربك للمتقين ) وعد كريم وتحريض على التقوى إذ في الآخرة هو التباين في المنازل .


[10203]:- أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره بقوله: وذُكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ... الحديث.
[10204]:- النّمارق: جمع نُمْرق، وهي الوسادة الصغيرة يتكأ عليها، وفي التنزيل العزيز: (ونمارق مصفوفة).
[10205]:- من الآية 24 من سورة يونس.