فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَزُخۡرُفٗاۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلۡمُتَّقِينَ} (35)

{ وَزُخْرُفًا } أي وجعلنا لهم زخرفا ليجعلوه في السقف والمعارج والأبواب والسرر ، ليكون بعض كل منها من فضة ، وبعضه من ذهب ، لأنه أبلغ في الزينة ، وقيل : النصب بنزع الخافض أي أبوابا وسررا من فضة ومن ذهب فلما حذف الخافض انتصب ، والزخرف الذهب ، وقيل : الزينة أعم من أن يكون ذهبا أو غيره ، قال ابن زيد هو ما يتخذه الناس في منازلهم من الأمتعة والأثاث ، وقال الحسن : النقوش ، وأصله الزينة ، يقال : زخرفت الدار زينتها ، وتزخرف فلان أي تزين ، قال ابن عباس في الآية : يقول لولا أن نفعل الناس كلهم كفارا لجعلنا لبيوت الكفار سقفا من فضة ، ومعارج من فضة ، وهي درج عليها يصعدون على الغرف وسرر فضة وزخرفا وهو الذهب .

وأخرج الترمذي وصححه ، وابن ماجة عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء ) وعن المسور بن شداد قال : كنت في الركب الذين وقفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السخلة الميتة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أترون هذه هانت على أهلها حين ألقوها ؟ قالوا : من هوانها ألقوها يا رسول الله ، قال : فإن الدنيا أهون على الله من هذه الشاة على أهلها ) أخرجه الترمذي وحسنه ، وعن قتادة بن النعمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا أحب الله عبدا حماه من الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء ) أخرجه الترمذي وقال حسن غريب .

وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ) أخرجه مسلم ، قال البقاعي : ولا يبعد أن يكون ما صار إليه الفسقة والجبابرة من زخرفة الأبنية وتذهيب السقوف وغيرها من مبادئ الفتنة بأن يكون الناس أمة واحدة في الكفر قرب الساعة ، حتى لا تقوم الساعة على من يقول : الله ، أو في زمن الدجال ، لأن من يبقى إذ ذاك على الحق في غاية القلة بحيث إنه لا عداد له في جانب الكفرة لأن كلام الملوك لا يخلو عن حقيقة ، وإن خرج مخرج الشرط فكيف بملك الملوك سبحانه ثم أخبر سبحانه أن جميع ذلك إنما يتمتع به في الدنيا فقال :

{ وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } قرأ الجمهور لما بالتخفيف ، وقرئ بالتشديد ، فعلى الأولى إن هي المخففة من الثقيلة ، وعلى الثانية هي النافية ، ولما بمعنى إلا ما كل ذلك إلا ما يتمتع به في الدنيا ، وقرئ بكسر اللام من لما على أن اللام للعلة ، وما موصولة ، والعائد محذوف ، أي للذي هو متاع { وَالْآَخِرَةُ } أي الجنة { عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } أي لمن اتقى الشرك والمعاصي وآمن بالله وحده ، وعمل بطاعته ، وترك الدنيا وآثر الآخرة فإنها الباقية التي لا تفنى ، ونعيمها الدائم الذي لا ينقطع .