المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَا تَجۡعَلُواْ ٱللَّهَ عُرۡضَةٗ لِّأَيۡمَٰنِكُمۡ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصۡلِحُواْ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (224)

224- لا تجعلوا اسم الله معرَّضاً لكثرة الحلف به ، لأن ذلك ينافى تعظيم اسم الله ، وأن الامتناع عن كثرة الحلف باسم الله يؤدي إلى البر والتقوى والقدرة على الإصلاح بين الناس ، إذ يكون الممتنع جليل القدر في أعين الناس موثوقاً به بينهم فيقبل قوله ، والله سميع لأقوالكم وأيمانكم ، عليم بنياتكم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تَجۡعَلُواْ ٱللَّهَ عُرۡضَةٗ لِّأَيۡمَٰنِكُمۡ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصۡلِحُواْ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (224)

221

ثم ينتقل السياق من الحديث عن حكم المباشرة في فترة الحيض ، إلى الحديث عن حكم الإيلاء . . أي الحلف بالهجران والامتناع عن المباشرة . . وبهذه المناسبة يلم بالحلف ذاته فيجعل الحديث عنه مقدمة للحديث عن الإيلاء .

( ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس ، والله سميع عليم ، لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ، ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ، والله غفور حليم . للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر . فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم ، وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم ) . .

التفسير المروي في قوله تعالى : ( ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم . . )عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لا تجعلن عرضة يمينك ألا تصنع الخير ، ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير . وكذا قال مسروق والشعبي وإبراهيم النخعي ومجاهد وطاووس وسعيد بن جبير وعطاء وعكرمة ومكحول والزهري والحسن وقتادة ومقاتل بن حيان والربيع بن أنس والضحاك وعطاء الخراساني والسدي - رحمهم الله - كما نقل ابن كثير .

ومما يستشهد به لهذا التفسير ما رواه مسلم - بإسناده - عن أبي هريرة أن رسول الله [ ص ] قال : " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه ، وليفعل الذي هو خير " . . وما رواه البخاري - بإسناده - عن أبي هريرة قال : قال رسول الله [ ص ] : " والله لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه " . .

وعلى هذا يكون معناها : لا تجعلوا الحلف بالله مانعا لكم من عمل البر والتقوى والإصلاح بين الناس . فإذا حلفتم ألا تفعلوا ، فكفروا عن إيمانكم وأتوا الخير . فتحقيق البر والتقوى والإصلاح أولى من المحافظة على اليمين .

وذلك كالذي وقع من أبي بكر - رضي الله عنه - حين أقسم لا يبر مسطحا قريبه الذي شارك في حادثة الإفك - فأنزل الله الآية التي في سورة النور : ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله ، وليعفوا وليصفحوا . ألا تحبون أن يغفر الله لكم ؟ . . فرجع أبو بكر عن يمينه وكفر عنها .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَا تَجۡعَلُواْ ٱللَّهَ عُرۡضَةٗ لِّأَيۡمَٰنِكُمۡ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصۡلِحُواْ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (224)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لأيْمَانِكُمْ أَن تَبَرّواْ وَتَتّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ فقال بعضهم : معناه : ولا تجعلوه علة لأيمانكم ، وذلك إذا سئل أحدكم الشيء من الخير والإصلاح بين الناس ، قال : عليّ يمين بالله ألا فعل ذلك ، أو قد حلفت بالله أن لا أفعله . فيعتلّ في تركه فعل الخير والإصلاح بين الناس بالحلف بالله . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأِيمَانِكُمْ قال : هو الرجل يحلف على الأمر الذي لا يصلح ، ثم يعتلّ بيمينه يقول الله : أنْ تَبَرّوا وَتَتّقُوا هو خير له من أن يمضي على ما لا يصلح ، وإن حلفت كفّرت عن يمينك وفعلت الذي هو خير لك .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر عن ابن طاوس ، عن أبيه مثله ، إلا أنه قال : وإن حلفت فكفر عن يمينك ، وافعل الذي هو خير .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا عبيد الله عن إسرائيل ، عن السدي ، عمن حدثه ، عن ابن عباس في قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ أنْ تَبَرّوا وَتَتّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ قال : هو أن يحلف الرجل أن لا يكلم قرابته ولا يتصدّق ، أو يكون بينه وبين إنسان مغاضبة ، فيحلف لا يصلح بينهما ويقول : قد حلفت ، قال : يكفر عن يمينه ، وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ أنْ تَبَرّوا وَتَتّقُوا يقول : لا تعتلوا بالله أن يقول أحدكم : إنه تألّى أن لا يصل رحما ، ولا يسعى في صلاح ، ولا يتصدّق من ماله ، مهلاً مهلاً بارك الله فيكم فإن هذا القرآن إنما جاء بترك أمر الشيطان ، فلا تطيعوه ، ولا تنفذوا له أمرا في شيء من نذوركم ولا أيمانكم .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا ابن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ قال : هو الرجل يحلف لا يصلح بين الناس ولا يبرّ ، فإذا قيل له قال : قد حلفت .

حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : سألت عطاء عن قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ أنْ تَبَرّوا وَتَتّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ قال : الإنسان يحلف أن لا يصنع الخير الأمر الحسن يقول حلفت ، قال الله : افعل الذي هو خير ، وكفر عن يمينك ، ولا تجعل الله عرضة .

حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ . . . الآية ، هو الرجل يحرّم ما أحلّ الله له على نفسه ، فيقول : قد حلفت فلا يصلح إلا أن أَبرّ يميني . فأمرهم الله أن يكفروا أيمانهم ، ويأتوا الحلال .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ أنْ تَبَرّوا وَتَتّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ أما عُرْضَة : فيعرض بينك وبين الرجل الأمر ، فتحلف بالله لا تكلمه ولا تصله ، وأما تبّروا : فالرجل يحلف لا يبرّ ذا رحمه ، فيقول : قد حلفت . فأمر الله أن لا يعرّض بيمينه بينه وبين ذي رحمه ، وليبرّه ولا يبالي بيمينه ، وأما تصلحوا : فالرجل يصلح بين الاثنين فيعصيانه ، فيحلف أن لا يُصلح بينهما ، فينبغي له أن يصلح ولا يبالي بيمينه ، وهذا قبل أن تنزل الكفارات .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم في قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ قال : يحلف أن لا يتقي الله ولا يصل رحمه ولا يصلح بين اثنين ، فلا يمنعه يمينه .

وقال آخرون : معنى ذلك : ولا تعترضوا بالحلف بالله في كلامكم فيما بينكم ، فتجعلوا ذلك حجة لأنفسكم في ترك فعل الخير . ذكر من قال ذلك :

3حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ يقول : لا تجعلني عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير ، ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير .

3حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ أنْ تَبَرّوا وَتَتّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ كان الرجل يحلف على الشيء من البرّ والتقوى ولا يفعله . فنهى الله عز وجل عن ذلك ، فقال : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ أنْ تَبَرّوا .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة عن إبراهيم في قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ قال : هو الرجل يحلف أن لا يبرّ قرابته ولا يصل رحمه ولا يصلح بين اثنين . يقول : فليفعل وليكفر عن يمينه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ، عن إبراهيم النخعي في قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ أنْ تَبَرّوا وَتَتّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ قال : لا تحلف أن لا تتقي الله ، ولا تحلف أن لا تبرّ ولا تعمل خيرا ، ولا تحلف أن لا تصل ، ولا تحلف أن لا تصلح بين الناس ، ولا تحلف أن تقتل وتقطع .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن داود ، عن سعيد بن جبير ومغيرة عن إبراهيم في قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً الآية ، قالا : هو الرجل يحلف أن يبرّ ولا يتقي ولا يصلح بين الناس ، وأمر أن يتقي الله ، ويصلح بين الناس ، ويكفر عن يمينه .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ فأمروا بالصلة والمعروف والإصلاح بين الناس ، فإن حلف حالف أن لا يفعل ذلك فليفعله وليدع يمينه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ الآية ، قال ذلك في الرجل يحلف أن لا يبرّ ولا يصل رحمه ولا يصلح بين الناس ، فأمره الله أن يدع يمينه ويصل رحمه ويأمر بالمعروف ويصلح بين الناس .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا محمد بن حرب ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، عن عائشة في قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ أنْ تَبَرّوا وَتَتّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ قالت : لا تحلفوا بالله وإن بررتم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : حدثت أن قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ الآية ، نزلت في أبي بكر في شأن مِسْطح .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ الآية ، قال : يحلف الرجل أن لا يأمر بالمعروف ، ولا ينهى عن المنكر ، ولا يصل رحمه .

حدثني المثنى ، حدثنا سويد ، أخبرنا ابن المبارك ، عن هشيم ، عن المغيرة ، عن إبراهيم في قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ قال : يحلف أن لا يتقي الله ، ولا يصل رحمه ، ولا يصلح بين اثنين ، فلا يمنعه يمينه :

حدثني ابن عبد الرحيم البرقي ، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن سعيد ، عن مكحول أنه قال في قول الله تعالى ذكره : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لاِءَيْمَانِكُمْ قال : هو أن يحلف الرجل أن لا يصنع خيرا ولا يصل رحمه ولا يصلح بين الناس ، نهاهم الله عن ذلك .

وأولى التأويلين بالآية تأويل من قال : معنى ذلك لا تجعلوا الحلف بالله حجة لكم في ترك فعل الخير فيما بينكم وبين الله وبين الناس . وذلك أن العرضة في كلام العرب : القوّة والشدة ، يقال منه : هذا الأمر عرضة له ، يعني بذلك : قوّة لك على أسبابك ، ويقال : فلانة عرضة للنكاح : أي قوّة ، ومنه قول كعب بن زهير في صفة نوق :

مِنْ كُلّ نَضّاخَةِ الذّفْرى إذَا عَرقتْ *** عُرْضَتُها طامِسُ الأعْلامِ مَجْهُولُ

يعني ب«عرضتها » : قوتها وشدتها .

فمعنى قوله تعالى ذكره : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ إذا : لا تجعلوا الله قوة لأيمانكم في أن لا تبرّوا ، ولا تتقوا ، ولا تصلحوا بين الناس ، ولكن إذا حلف أحدكم فرأى الذي هو خير مما حلف عليه من ترك البرّ والإصلاح بين الناس فليحنث في يمينه ، وليبرّ ، وليتق الله ، وليصلح بين الناس ، وليكفر عن يمينه . وترك ذكر «لا » من الكلام لدلالة الكلام عليها واكتفاء بما ذكر عما ترك ، كما قال امرؤ القيس :

فَقُلْتُ يَمِينُ اللّهِ أبْرَحُ قاعِدا *** ولَوْ قَطّعُوا رأسي لَدَيْكِ وأوْصَالي

بمعنى : فقلت : يمين الله لا أبرح . فحذف «لا » اكتفاء بدلالة الكلام عليها .

وأما قوله : أنْ تَبَرّوا فإنه اختلف في تأويل البرّ الذي عناه الله تعالى ذكره ، فقال بعضهم : هو فعل الخير كله . وقال آخرون : هو البرّ بذي رحمه ، وقد ذكرت قائلي ذلك فيما مضى .

وأولى ذلك بالصواب قول من قال : عنى به فعل الخير كله ، وذلك أن أفعال الخير كلها من البرّ . ولم يخصص الله في قوله أنْ تَبَرّوا معنى دون معنى من معاني البرّ ، فهو على عمومه ، والبرّ بذوي القرابة أحد معاني البرّ .

وأما قوله : وَتَتّقُوا فإن معناه : أن تتقوا ربكم فتحذروه وتحذروا عقابه في فرائضه وحدوده أن تضيعوها أو تتعدوها ، وقد ذكرنا تأويل من تأول ذلك أنه بمعنى التقوى قبل .

وقال آخرون في تأويله بما :

حدثني به محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله : أنْ تَبَرّوا وَتَتّقُوا قال : كان الرجل يحلف على الشيء من البرّ والتقوى لا يفعله ، فنهى الله عزّ وجلّ عن ذلك ، فقال : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ أنْ تَبَرّوا وَتَتّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ الآية ، قال : ويقال : لا يتق بعضكم بعضا بي ، تحلفون بي وأنتم كاذبون ليصدقكم الناس وتصلحون بينهم ، فذلك قوله : أنْ تَبَرّوا وَتَتّقُوا . . . الآية .

وأما قوله : وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ فهو الإصلاح بينهم بالمعروف فيما لا مأثم فيه ، وفيما يحبه الله دون ما يكرهه .

وأما الذي ذكرنا عن السدي من أن هذه الآية نزلت قبل نزول كفارات الأيمان ، فقول لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة ، والخبر عما كان لا تدرك صحته إلا بخبر صادق ، وإلا كان دعوى لا يتعذر مثلها وخلافها على أحد . وغير محال أن تكون هذه الآية نزلت بعد بيان كفارات الأيمان في سورة المائدة ، واكتفي بذكرها هناك عن إعاتها ههنا ، إذ كان المخاطبون بهذه الآية قد علموا الواجب من الكفارات في الأيمان التي يحنث فيها الحالف .

القول في تأويل قوله تعالى : وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .

يعني تعالى ذكره بذلك : والله سميع لما يقوله الحالف منكم بالله إذا حلف ، فقال : والله لا أبرّ ، ولا أتقي ، ولا أصلح بين الناس ، ولغير ذلك من قيلكم وأيمانكم ، عليم بما تقصدون وتبتغون بحلفكم ذلك ، الخير تريدون أم غيره ، لأني علام الغيوب وما تضمره الصدور ، لا تخفى عليّ خافية ، ولا ينكتم عني أمر عُلن ، فظهر أو خفي فبطن ، وهذا من الله تعالى ذكره تهدد ووعيد . يقول تعالى ذكره : واتقون أيها الناس أن تظهروا بألسنتكم من القول ، أو بأبدانكم من الفعل ، ما نهيتكم عنه ، أو تضمروا في أنفسكم ، وتعزموا بقلوبكم من الإرادات والنيات فعل ما زجرتكم عنه ، فتستحقوا بذلك مني العقوبة التي قد عرفتكموها ، فإني مطلع على جميع ما تعلنونه أو تسرّونه .