بعد ذلك يبدأ الجولة الثانية . يبدؤها في نسق جديد . نسق الحكاية والتوجيه غير المباشر . ويعالج قضية الشكر لله وحدة ، وتنزيهه عن الشرك كله ، وقضية الآخرة والعمل والجزاء في خلال الحكاية .
( ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ؛ ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ، ومن كفر فإن الله غني حميد ) .
ولقمان الذي اختاره القرآن ليعرض بلسانه قضية التوحيد وقضية الآخرة تختلف في حقيقته الروايات : فمن قائل : إنه كان نبيا ، ومن قائل : إنه كان عبدا صالحا من غير نبوة - والأكثرون على هذا القول الثاني - ثم يقال : إنه كان عبدا حبشيا ، ويقال : إنه كان نوبيا . كما قيل : إنه كان في بني إسرائيل قاضيا من قضاتهم . . وأيا من كان لقمان فقد قرر القرآن أنه رجل آتاه الله الحكمة . الحكمة التي مضمونها ومقتضاها الشكر لله : ( ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ) . . وهذا توجيه قرآني ضمني إلى شكر الله اقتداء بذلك الرجل الحكيم المختار الذي يعرض قصته وقوله . وإلى جوار هذا التوجيه الضمني توجيه آخر ، فشكر الله إنما هو رصيد مذخور للشاكر ينفعه هو ، والله غني عنه . فالله محمود بذاته ولو لم يحمده أحد من خلقه : ( ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه . ومن كفر فإن الله غني حميد ) . . وإذن فأحمق الحمقى هو من يخالف عن الحكمة ؛ ولا يدخر لنفسه مثل ذلك الرصيد .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ للّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنّ اللّهَ غَنِيّ حَمِيدٌ } .
يقول تعالى ذكره : ولقد آتينا لقمان الفقه في الدين ، والعقل ، والإصابة في القول . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمان الحِكْمَةَ قال : الفقه والعقل والإصابة في القول من غير نُبوّة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الحِكْمَةَ أي الفقه في الإسلام . قال قَتادة : ولم يكن نبيا ، ولم يُوح إليه .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا يونس ، عن مجاهد ، في قوله وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الحِكْمَةَ قال : الحكمة : الصواب . وقال غير أبي بشر : الصواب في غير النبوّة .
حدثنا ابن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، أنه قال : كان لقمان رجلاً صالحا ، ولم يكن نبيا .
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأَوْديّ وابن حميد ، قالا : حدثنا حَكّام ، عن سعيد الزبيديّ ، عن مجاهد ، قال : كان لقمان الحكيم عبدا حبشيا ، غليظ الشفتين ، مصفح القدمين ، قاضيا على بني إسرائيل .
حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرمليّ ، قال : حدثنا يحيى بن عيسى عن الأعمش ، عن مجاهد ، قال : كان لقمان عبدا أسود ، عظيم الشفتين ، مُشقّق القدمين .
حدثني عباس بن محمد ، قال : حدثنا خالد بن مخلد ، قال : حدثنا سليمان بن بلال ، قال : ثني يحيى بن سعيد قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : كان لقمان الحكيم أسود من سودان مصر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أشعث ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان لقمان عبدا حبشيا .
حدثنا العباس بن الوليد ، قال : أخبرنا أبي ، قال : حدثنا الأوزاعيّ ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن حَرْملة ، قال : جاء أسود إلى سعيد بن المسيب يسأل ، فقال له سعيد : لا تحزن من أجل أنك أسود ، فإنه كان من خير الناس ثلاثة من السودان : بِلال ، ومهجّع مولى عمر بن الخطاب ، ولُقمان الحكيم ، كان أسود نوبيا ذا مشافر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبي الأشهب ، عن خالد الرّبَعِيّ ، قال : كان لقمان عبدا حبشيا نجارا ، فقال له مولاه : اذبح لنا هذه الشاة ، فذبحها . قال : أخرج أطيب مُضْغَتين فيها ، فأخرج اللسان والقلب . ثم مكث ما شاء الله ، ثم قال : اذبح لنا هذه الشاة ، فذبحها . فقال : أخرج أخبث مضغتين فيها ، فأخرج اللسان والقلب ، فقال له مولاه : أمرتك أن تخرج أطيب مضغتين فيها فأخرجتهما ، وأمرتك أن تخرج أخبث مضغتين فيها فأخرجتهما فقال له لقمان : إنه ليس من شيء أطيب منهما إذا طابا ، ولا أخبث منهما إذا خَبثا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم ، قال : حدثنا عمرو بن قيس ، قال : كان لقمان عبدا أسود ، غليظ الشفتين ، مصفح القدمين ، فأتاه رجل ، وهو في مجلس أناس يحدّثهم ، فقال له : ألست الذي كنت ترعى معي الغنم في مكان كذا وكذا ؟ قال : نعم ، قال : فما بلغ بك ما أرى ؟ قال : صدق الحديث ، والصمت عما لا يعنيني .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الحِكْمَةَ قال : القرآن .
قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الحكمة : الأمانة .
وقال آخرون : كان نبيا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثني أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عكرمة ، قال : كان لقمان نبيا .
وقوله : أنِ اشْكُرْ لِلّهِ : يقول تعالى ذكره : ولقد آتينا لقمان الحكمة ، أن احمد الله على ما آتاك من فضله وجعل قوله أنِ اشْكُرْ ترجمة عن الحكمة ، لأن من الحكمة التي كان أوتيها ، كان شكره الله على ما آتاه . وقوله : وَمَنْ يَشْكُرْ فإنّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ يقول : ومن يشكر الله على نعمه عنده فإنما يشكر لنفسه ، لأن الله يُجزل له على شكره إياه الثواب ، وينقذه به من الهلكة . وَمَنْ كَفَرَ فإنّ اللّهَ غَنِيّ حَمِيدٌ يقول : ومن كفر نعمة الله عليه ، إلى نفسه أساء ، لأن الله معاقبُه على كفرانه إياه ، والله غنيّ عن شكره إياه على نعمه ، لا حاجة به إليه ، لأن شكره إياه لا يزيد في سلطانه ، ولا ينقص كفرانه إياه مِن ملكه . ويعني بقوله حَمِيدٌ محمود على كلّ حال ، له الحمد على نعمه ، كفر العبد نعمته أو شكره عليها وهو مصروف من مفعول إلى فَعِيل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.