بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا لُقۡمَٰنَ ٱلۡحِكۡمَةَ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِلَّهِۚ وَمَن يَشۡكُرۡ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٞ} (12)

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الحكمة } وقال مجاهد : يعني : أعطينا لقمان العقل والفقه والإصابة في غير نبوة . ويقال أيضاً : الحكمة والعقل والإصابة في القول . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «ما زَهِدَ عَبْدٌ فِي الدُّنْيَا إلاَّ أَثْبَتَ الله تَعَالَى الحِكْمَةَ فِي قَلْبِهِ ، وَأَنْطَقَ بِهَا لِسَانَهُ ، وَبَصَّرَهُ عُيُوبَ الدُّنْيَا وَعُيُوبَ نَفْسِهِ . وَإذَا رَأيْتُمْ أَخَاكُمْ قَدْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا فَاقْتَرِبُوا إلَيْهِ فَاسْتَمِعُوا مِنْهُ ، فإنه يُلَقَّى الحِكْمَةَ » . وقال السدي : { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الحكمة } النبوة . وعن عكرمة قال : كان لقمان نبياً . وعن وهب بن منبه قال : كان لقمان رجلاً حكيماً ، ولم يكن نبياً .

وروي عن ابن عباس قال : " كان لقمان عبداً حبشياً " . ويقال : إن أول ما ظهرت حكمته أن مولاه قال له يوماً : اذبح لنا هذه الشاة فذبحها . ثم قال : أخرج أطيب مضغتين فيها فأخرج اللسان والقلب . ثم مكث ما شاء الله ، ثم قال له : اذبح لنا هذه الشاة فذبحها . فقال : أخرج لنا أخبث مضغتين فيها فأخرج اللسان والقلب . فسأله عن ذلك فقال لقمان : إنه ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ، ولا أخبث منهما إذا خبثا .

وذكر عن وهب بن منبه : أن لقمان خُيِّرَ بين النبوة والحكمة ، فاختار الحكمة . قال : فبينما كان يعظ الناس يوماً وهم مجتمعون عليه ، إذ مرّ به عظيم من عظماء بني إسرائيل . فقال : ما هذه الجماعة ؟ فقيل له : جماعة اجتمعت على لقمان الحكيم . فأقبل إليه . فقال له : ألست عبد بني فلان ؟ فقال : نعم . فقال : فما الذي بلغ بك ما أرى ؟ فقال : صدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وتركي ما لا يعنيني . فانصرف عنه متعجباً وتركه .

ثم قال تعالى : { أَنِ اشكر للَّهِ } يعني : حكماً من أحكام الله { أَنِ اشكر للَّهِ } تعالى ويقال : معناه { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الحكمة } وقلنا له : اشكر لله بما أعطاك من الحكمة { وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } يعني : ثواب الشكر لنفسه { وَمَن كَفَرَ } جحد فلا يوحّد ربه { فَإِنَّ الله غَنِيّ } عن خلقه وعن شكرهم { حَمِيدٌ } في فعاله .