الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا لُقۡمَٰنَ ٱلۡحِكۡمَةَ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِلَّهِۚ وَمَن يَشۡكُرۡ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٞ} (12)

قوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ } يعني العقل والعلم والعمل به والإصابة في الأُمور .

قال محمّد بن إسحاق بن يسار : وهو لقمان بن باعور بن باحور بن تارخ وهو آزر ، وقال وهب : كان ابن أُخت أيّوب . وقال مقاتل : ذُكر أنَّ لقمان كان ابن خالة أيّوب .

قال الواقدي : كان قاضياً في بني إسرائيل ، واتّفق العلماء على أنّه كان حكيماً ولم يكن نبيّاً إلاّ عكرمة فإنّه قال : كان لقمان نبيّاً ، تفرّد بهذا القول .

حدّثنا أبو منصور الجمشاذي قال : حدّثني أبو عبدالله محمد بن يوسف ، عن الحسين بن محمد ، عن عبدالله بن هاشم ، عن وكيع عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عكرمة قال : كان لقمان نبيّاً . وقال بعضهم : خُيِّر لقمان بين النبوّة والحكمة ، فاختار الحكمة .

وروى عبدالله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه يقول : " حقّاً أقول لم يكن لقمان نبيّاً ولكن عبد صمصامة كثير التفكير ، حسن اليقين ، أحبَّ الله فأحبّه وضمن عليه بالحكمة " .

( وروي أنّ لقمان في ابتداء أمره ) كان نائماً نصف النهار إذ جاءهُ نداء : يا لقمان هل لك أنْ يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس بالحقّ ؟ فأجاب الصوت فقال : إنْ خيّرني ربّي قبلت العافية ولم أقبل البلاء ، وإنْ عزم عليَّ فسمعاً وطاعة . فإنّي أعلم إنْ فعل ذلك بي عصمني وأعانني ، فقالت الملائكة بصوت لا يراهم : لِمَ يا لقمان ؟ قال : لأنّ الحاكم بأشدّ المنازل وأكدرها يغشاه الظلم من كلّ مكان إن ( وفى فبالحري ) أن ينجو ، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنّة ، ومن يكن في الدنيا ذليلاً ( وفي الآخرة شريفاً ) خير من أن يكون )في الدنيا ) شريفاً ( وفي الآخرة ذليلاً ) .

ومن تخيّر الدنيا على الآخرة تفتهُ الدنيا ولا يصيب الآخرة ، فعجبت الملائكة من حسن منطقه فنام نومة فأُعطي الحكمة . فانتبه يتكلّم بها .

ثمّ نودي داود بعده فقبلها ولم يشرط ما شرط لقمان فهوى في الخطيئة غير مرّة كلّ ذلك يعفو الله عزّ وجلّ عنه ، وكان لقمان يؤازره بحكمته ، فقال له داود : طوبى لك يا لقمان أُعطيت الحكمة وصُرفتْ عنك البلوى . وأُعطي داود الخلافة وأُبتلي بالبليّة والفتنة .

وحدّثنا الإمام أبو منصور بن الجمشاذي لفظاً قال : حدّثني أبو عبدالله بن يوسف عن الحسن بن محمد ، عن عبدالله بن هاشم ، عن وكيع ، عن محمّد بن حسّان ، عن خالد الربعي قال : كان لقمان عبداً حبشيّاً نجّاراً . وأخبرنا أبو عبدالله بن فنجويه قال : حدّثني أبو بكر بن مالك القطيعي ، عن عبدالله بن أحمد بن حنبل ، عن أبي عن أسود بن عامر ، عن حمّاد ، عن علي بن يزيد ، عن سعيد بن المسيب أنّ لقمان كان خيّاطاً .

{ أَنِ اشْكُرْ للَّهِ } يعني وقلنا له : أن اشكر لله .

{ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } .

قال مجاهد : كان لقمان عبداً أسود عظيم الشفتين ، متشقّق القدمين . وروى الأوزاعي عن عبد الرحمن بن حرملة قال : جاء أسود إلى سعيد بن المسيب يسأله فقال له سعيد : لا تحزن من أجل أنّك أسود ، فإنّه كان من أخيَر الناس ثلاثة من السودان : بلال ومهجع مولى عمر بن الخطّاب ولقمان الحكيم كان أسود نوبيّاً من سودان مصر ذا مشافر .