الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا لُقۡمَٰنَ ٱلۡحِكۡمَةَ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِلَّهِۚ وَمَن يَشۡكُرۡ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٞ} (12)

وقوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الحكمة } [ لقمان : 12 ] .

اختلف في لقمان ، هل هو نبيٌّ أو رجلٌ صالح فقط ، وقال ابن عمر : سمعْت النبي صلى الله عليه وسلم يقولُ : ( لَمْ يَكُنْ لُقْمَانُ نَبِيّاً وَلَكِنْ كَانَ عَبْداً كَثِيرَ التَّفْكِيرِ ، حَسَنَ اليَقِينِ ، أَحَبَّ اللّهَ فَأَحَبَّهُ ، فَمَنَّ عَلَيْهِ بِالْحِكْمَةِ وَخَيَّرَهُ فِي أَنْ يَجْعَلَهُ خَلِيفَةً يَحْكُمُ بِالْحَقِّ ، فَقَالَ : رَبِّ إنْ خَبَّرْتَنِي ، قَبِلْتُ العَافِيَةَ ، وَتَرَكْتُ البَلاَءَ ، وَإنْ عَزَمْتَ عَلَيَّ ، فَسَمْعاً وَطَاعَةً ، فَإنَّكَ سَتَعْصِمَنِي ، وَكَانَ قاضياً في بني إسرائيل نُوبِيّاً أَسْوَدَ ، مشققَ الرِّجْلَيْنِ ، ذا مَشَافِر ) قاله سعيدُ بن المسيِّب وابن عباس وجماعة : وقال له رَجُلٌ كان قد رعى معه الغنم : مَا بَلَغَ بِكَ يا لقمان مَا أرى ؟ قَالَ : صِدْقُ الحديثِ ، وأداءُ الأَمانةِ ، وتركِي ما لا يعنيني ، وحِكَمُ لُقْمَانَ كثيرةٌ مأثُورَة .

قال ابن العربي في «أحكامه » ، ورَوَى عُلماؤُنا عن مالكِ قال : قال لقمان لابنه : ( يا بُنَيَّ ، إنَّ الناسَ قد تطاوَلَ عليهم ما يوعدون ، وهم إلى الآخرةِ سِراعاً يذهبون ، وإنك قد اسْتَدْبَرْت الدنيا مذ كنت ، واستقبلت الآخرة مع أَنْفَاسِك ، وإن داراً ستسير إليها أقرب إليك من دار تخرج منها ) انتهى .

وقوله : { أَنِ اشكر } يجوز أن تكونَ «أنْ » في مَوضعِ نصب على إسقاط حرف الجر ، أي : بأنِ اشْكُرْ للَّهِ ويجوز أن تكونَ مفسِّرَةً ، أي : كانت حكمتُه دائرة على الشكر للَّه ، وجميع العبادات داخلةٌ في الشكر للَّه عز وجل ، و{ حَمِيدٌ } بمعنى : محمود ، أي : هو مستحق ذلك بذاته وصفاته .