تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا لُقۡمَٰنَ ٱلۡحِكۡمَةَ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِلَّهِۚ وَمَن يَشۡكُرۡ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٞ} (12)

الآية 12 وقوله تعالى : { ولقد آتينا لقمان الحكمة } هي الإصابة في القول والفعل في غير نبوة . وقال بعضهم : أعطى الفهم واللب ، وقيل : الفهم والفقه في الدين ، وقيل : العلم . كأنه يقول : أعطيناه العلم والفهم بالكتب المتقدمة .

والفقه هو معرفة الشيء بنظيره الدال على غيره ، أو معرفة ما غاب بما شهد ، أو معرفة الخفي الباطن بالظاهر ونحوه .

والفلاسفة يقولون : الحكمة ، هي المعرفة مع العمل . والحكيم ، هو الذي له المعرفة والعلم والعمل جميعا ، فحينئذ يسمى حكيما .

وقوله تعالى : { أن اشكر لله } كأنه قال : { ولقد آتينا لقمان الحكمة } والحكمة ، تحتمل الوجوه التي ذكرنا ، وقلنا له { أن اشكر لله } في ما أعطاك من الحكمة وغير ذلك من النعم( {[16175]} ) .

وهذا يدل أن لله ما يكتسب المرء من الحكمة /416-ب/ والعلم صنعا ، إذ لو لم يكن له [ صنع في ذلك لم يكن ]( {[16176]} ) لقوله { آتينا } معنى ، إذ هو [ فعل ]( {[16177]} ) العبد وكسبه .

ألا ترى أنه أمره أن يشكر له على ذلك [ ولو لم يكن له صنع في ذلك لكان لا ]( {[16178]} ) يأمره بالشكر له على ما لا صنع له في ذلك ، إذ يخرج ذلك مخرج طلب الحمد والشكر على ما لم يفعل . وقد ذم من أحب أن يحمد بما لم يفعل . فلا يحتمل أن يأمره( {[16179]} ) بالحمد والشكر على ما لم يفعل ، ولا صنع له في ذلك .

دل أن له فيه صنعا ، وهو ينقض على المعتزلة قولهم( {[16180]} ) : ليس لله في فعل العبد صنع ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه } هذا يدل أن [ الله في ]( {[16181]} ) ما يأمر عباده ، وينهاهم ، وفي ما امتحنهم إنما يمتحنهم ، ويأمرهم ، وينهاهم ، لمنافع أنفسهم ولحاجاتهم لا لمنفعة نفسه أو لحاجته حين( {[16182]} ) قال : { ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه } حتى( {[16183]} ) يتم النعمة ، ويديمها له . فهو بالشكر ينفع نفسه { ومن كفر } فإنما ضرر كفره يلحقه دون الله تعالى .

ألا ترى أنه قال : { ومن كفر فإن الله غني حميد } ؟ أي غني عن شكره وحمده { حميد } وإن لم يحمده أحد من خلقه لأنه غني بذاته حميد بصنائعه وآلائه . وإن لم يحمد هو ، ولم يشكر على ذلك فلا ينفعه شكرا أحد ولا حمده ، ولا يضره كفران أحد ، ولا ترك الشكر له . وبالله الحول والقوة .


[16175]:في الأصل وم: النعمة.
[16176]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[16177]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[16178]:من م، في الأصل: لكان.
[16179]:في الأصل وم: يأمر هو.
[16180]:في الأصل وم: في قولهم: بان.
[16181]:ساقطة من الأصل وم.
[16182]:في الأصل وم: حيث.
[16183]:في الأصل وم: حيث.