البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا لُقۡمَٰنَ ٱلۡحِكۡمَةَ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِلَّهِۚ وَمَن يَشۡكُرۡ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٞ} (12)

لقمان : اسم علم ، فإن كان أعجمياً فمنعه من الصرف للعجمة والعلمية ، وإن كان عربياً فمنعه للعلمية وزيادة الألف والنون ، ويكون مشتقاً من اللقم مرتجلاً ، إذ لا يعلم له وضع في النكرات .

{ ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد ، وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يبني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ، ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ، وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إليّ ثم إليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ، يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير ، يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ، ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور ، واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير }

اختلف في لقمان ، أكان حراً أم عبداً ؟ فإذا قلنا : كان حراً ، فقيل : هو ابن باعورا .

قال وهب : ابن أخت أيوب عليه السلام .

وقال مقاتل : ابن خالته .

وقيل : كان من أولاد آزر ، وعاش ألف سنة ، وأدرك داود عليه السلام ، وأخذ منه العلم ، وكان يفتي قبل مبعث داود ، فلما بعث داود ، قطع الفتوى ، فقيل له : لم ؟ فقال : ألا أكتفي إذا كفيت ؟ وكان قاضياً في بني إسرائيل .

وقال الواقدي : كان قاضياً في بني إسرائيل ، وزمانه ما بين عيسى ومحمد ، عليهما السلام ، والأكثرون على أنه لم يكن نبياً .

وقال عكرمة ، والشعبي : كان نبياً .

وإذا قلنا : كان عبداً ، اختلف في جنسه ، فقال ابن عباس ، وابن المسيب ، ومجاهد : كان نوبياً مشقق الرجلين ذا مشافر .

وقال الفراء وغيره : كان حبشياً مجدوع الأنف ذا مشفر .

واختلف فيما كان يعانيه من الأشغال ، فقال خالد بن الربيع : كان نجاراً ، وفي معاني الزجاج : كان نجاداً ، بالدال .

وقال ابن المسيب : كان خياطاً .

وقال ابن عباس : كان راعياً .

وقيل : كان يحتطب لمولاه كل يوم حزمة .

وهذا الاضطراب في كونه حراً أو عبداً ، وفي جنسه ، وفيما كان يعانيه ، يوجب أن لا يكتب شيء من ذلك ، ولا ينقل .

لكن المفسرون مولعون بنقل المضطربات حشواً وتكثيراً ، والصواب تركه .

وحكمة لقمان مأثورة كثيرة ، منها : قيل له : أي الناس شر ؟ قال : الذي لا يبالي أن يراه الناس مسيئاً .

وقال له داود ، عليه السلام ، يوماً : كيف أصبحت ؟ قال : أصبحت في يد غيري ، فتفكر داود فيه ، فصعق صعقة .

وقال وهب بن منبه : قرأت في حكم لقمان أكثر من عشرة آلاف .

و { الحكمة } : المنطق الذي يتعظ به ويتنبه به ، ويتناقله الناس لذلك .

{ أن اشكر } ، قال الزمخشري : أن هي المفسرة ، لأن إيتاء الحكمة في معنى القول ، وقد نبه سبحانه على أن الحكمة الأصلية والعلم الحقيقي هو العمل بهما ، أو عبادة الله والشكر له ، حيث فسر إيتاء الحكمة بالبعث على الشك .

وقال الزجاج : المعنى : { ولقد آتينا لقمان الحكمة } لأن يشكر الله ، فجعلها مصدرية ، لا تفسيرية .

وحكى سيبويه : كتبت إليه بأن قم .

{ فإنما يشكر لنفسه } : أي ثواب الشكر لا يحصل إلا للشاكرين ، إذ هو تعالى غني عن الشكر ، فشكر الشاكر لا ينفعه ، وكفر من كفر لا يضره .

و { حميد } : مستحق الحمد لذاته وصفاته .