الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا لُقۡمَٰنَ ٱلۡحِكۡمَةَ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِلَّهِۚ وَمَن يَشۡكُرۡ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٞ} (12)

أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أتدرون ما كان لقمان ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : كان حبشياً » .

وأخرج ابن أبي شيبة في الزهد وأحمد وابن أبي الدنيا في كتاب المملوكين وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان لقمان عليه السلام عبداً حبشياً نجاراً .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال : قلت لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما : ما انتهى إليكم من شأن لقمان عليه السلام ؟ قال : كان قصيراً ، أفطس من النوبة .

وأخرج الطبراني وابن حبان في الضعفاء وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اتخذوا السودان فإن ثلاثة منهم سادات أهل الجنة : لقمان الحكيم . والنجاشي . وبلال المؤذن » قال الطبراني : أراد الحبشة .

وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن يزيد عن جابر رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « سادات السودان أربعة : لقمان الحبشي . والنجاشي . وبلال . ومهجع » .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن لقمان عليه السلام كان أسود من سودان مصر ، ذا مشافر ، أعطاه الله الحكمة ، ومنعه النبوة .

وأخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن حرملة قال : جاء أسود إلى سعيد بن المسيب رضي الله عنه يسأله ، فقال له سعيد رضي الله عنه : لا تحزن من أجل أنك أسود ، فإنه كان من أخير الناس ثلاثة من السودان : بلال . ومهجع مولى عمر بن الخطاب . ولقمان الحكيم كان أسود نوبياً ذا مشافر .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان لقمان عليه السلام عبداً أسود .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال : كان لقمان عليه السلام عبداً حبشياً ، غليظ الشفتين ، مصفح القدمين ، قاضياً لبني إسرائيل .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن المنذر عن سعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنه أن لقمان عليه السلام كان خياطاً .

وأخرج ابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه قال : كان لقمان عليه السلام من أهون مملوكيه على سيده ، وإن أول ما رؤي من حكمته أنه بينما هو مع مولاه إذ دخل المخرج فأطال فيه الجلوس ، فناداه لقمان أن طول الجلوس على الحاجة ينجع منه الكبد ، ويكون منه الباسور ، ويصعد الحر إلى الرأس ، فأجلس هوينا وأخرج ، فخرج فكتب حكمته على باب الحش قال : وسكر مولاه ، فخاطر قوماً على أن يشرب ماء بحيرة ، فلما أفاق عرف ما وقع منه ، فدعا لقمان فقال : لمثل هذا كنت أخبؤك .

فقال : اجمعهم ، فلما اجتمعوا قال : على أي شيء خاطرتموه ؟ قالوا : على أن يشرب ماء هذه البحيرة قال : فإن لها مواد فاحبسوا موادها عنها قالوا : كيف نستطيع أن نحبس موادها ؟ قال : وكيف يستطيع أن يشربها ولها مواد ؟

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ولقد آتينا لقمان الحكمة } قال : يعني العقل ، والفهم ، والفطنة . من غير نبوّة .

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي مسلم الخولاني رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن لقمان كان عبداً كثير التفكر ، حسن الظن ، كثير الصمت ، أحب الله فأحبه الله تعالى ، فمن عليه بالحكمة ، نودي بالخلافة قبل داود عليه السلام ، فقيل له : يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة تحكم بين الناس بالحق ؟ قال لقمان : إن أجبرني ربي عز وجل قبلت ، فإني أعلم أنه إن فعل ذلك أعانني . وعلمني . وعصمني . وإن خيرني ربي قبلت العافية ، ولم أسأل البلاء ، فقالت الملائكة : يا لقمان لم ؟ ! قال : لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها ، يغشاه الظلم من كل مكان ، فيخذل أو يعان ، فإن أصاب فبالحري أن ينجو ، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة ، ومن يكون في الدنيا ذليلاً خير من أن يكون شريفاً شائعاً ، ومن يختار الدنيا على الآخرة فاتته الدنيا ولا يصير إلى ملك الآخرة . فعجبت الملائكة من حسن منطقه ، فنام نومة فغط بالحكمة غطاً فانتبه فتكلم بها ، ثم نودي داود عليه السلام بعده بالخلافة ، فقبلها ولم يشترط شرط لقمان ، فأهوى في الخطيئة ، فصفح عنه وتجاوز . وكان لقمان يؤازره بعلمه وحكمته فقال داود عليه السلام : طوبى لك يا لقمان ، أوتيت الحكمة فصرفت عنك البلية ، وأوتي داود الخلافة فابتلى بالذنب والفتنة » .

وأخرج الفريابي وأحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ولقد آتينا لقمان الحكمة } قال : العقل ، والفقه ، والإصابة في القول في نبوّه .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { ولقد آتينا لقمان الحكمة } قال : الفقه في الإِسلام ، ولم يكن نبياً ، ولم يوح إليه .

وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال : خير الله تعالى لقمان بين الحكمة والنبوّة . فاختار الحكمة على النبوّة ، فأتاه جبريل عليه السلام وهو نائم ، فذر عليه الحكمة ، فأصبح ينطق بها فقيل له : كيف اخترت الحكمة على النبوّة ، وقد خيرك ربك ؟ فقال : لو أنه أرسل إلي بالنبوّة عزمة لرجوت فيها الفوز منه ، ولكنت أرجو أن أقوم بها ، ولكنه خيرني ، فخفت أن أضعف عن النبوّة ، فكانت الحكمة أحب إلي .

أخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه رضي الله تعالى عنه أنه سئل أكان لقمان عليه السلام نبياً ؟ قال : لا . لم يلوح إليه ، وكان رجلاً صالحاً .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله تعالى عنه قال : كان لقمان عليه السلام نبياً .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ليث رضي الله تعالى عنه قال : كانت حكمة لقمان عليه السلام نبوّة .

وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله تعالى عنه قال : كان لقمان عليه السلام رجلاً صالحاً ولم يكن نبياً .

وأخرج الطبراني والرامهرمزي في الأمثال بسند ضعيف عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن لقمان عليه السلام قال لابنه : يا بني عليك بمجالس العلماء ، واستمع كلام الحكماء ، فإن الله يحيي القلب الميت بنور الحكمة كما تحيا الأرض الميتة بوابل المطر » .

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه ذكر لقمان الحكيم فقال : ما أوتي ما أوتي عن أهل ولا مال . ولا حسب . ولا خصال . ولكنه كان رجلاً صمصامة سكيتاً ، طويل التفكر ، عميق النظر ، لم ينم نهاراً قط ، ولم يره أحد يبزق ، ولا يتنحنح ، ولا يبول ، ولا يتغوّط ، ولا يغتسل ، ولا يعبث ، ولا يضحك ، كان لا يعيد منطقاً نطقه إلا أن يقول : حكمة يستعيدها إياه ، وكان قد تزوج وولد له أولاد ، فماتوا فلم يبك عليهم ، وكان يغشى السلطان ويأتي الحكماء لينظر ويتفكر ويعتبر . فبذلك أوتي ما أوتي .

وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت وابن جرير عن عمر بن قيس رضي الله عنه قال : مر رجل بلقمان عليه السلام والناس عنده فقال : ألست عبد بني فلان ؟ قال : بلى . قال : ألست الذي كنت ترعى عند جبل كذا وكذا ؟ قال : بلى . قال : فما الذي بلغ بك ما أرى ؟ قال : تقوى الله ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وطول السكوت عما لا يعنيني .

وأخرج أحمد في الزهد عن محمد بن جحادة رضي الله عنه ، مثله .

وأخرج أحمد والحكيم الترمذي والحاكم في الكني والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن لقمان الحكيم كان يقول : إن الله إذا استودع شيئاً حفظه » .