فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا لُقۡمَٰنَ ٱلۡحِكۡمَةَ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِلَّهِۚ وَمَن يَشۡكُرۡ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٞ} (12)

اختلف في لقمان هل هو عجمي أم عربي ؟ مشتق من اللقم ، فمن قال : إنه عجمي ، منعه للتعريف والعجمة ، ومن قال : إنه عربي منعه للتعريف ، ولزيادة الألف والنون . واختلفوا أيضاً هو نبيّ أم رجل صالح ؟ فذهب أكثر أهل العلم إلى أنه ليس بنبيّ . وحكى الواحدي عن عكرمة والسدي والشعبي : أنه كان نبياً ، والأوّل أرجح لما سيأتي في آخر البحث . وقيل : لم يقل بنبوّته إلا عكرمة فقط ، مع أن الراوي لذلك عنه جابر الجعفي وهو ضعيف جدّاً . وهو لقمان بن باعورا بن ناحور بن تارخ ، وهو آزر أبو إبراهيم ، وقيل : هو لقمان بن عنقا بن مروان ، وكان نوبياً من أهل أيلة ذكره السهيلي . قال وهب : هو ابن أخت أيوب . وقال مقاتل : هو ابن خالته ، عاش ألف سنة وأخذ عنه العلم ، وكان يفتي قبل مبعث داود ، فلما بعث داود قطع الفتوى ، فقيل له ، فقال : ألا أكتفي إذ كفيت ؟ قال الواقدي : كان قاضياً في بني إسرائيل ، والحكمة التي آتاه الله هي : الفقه والعقل والإصابة في القول ، وفسر الحكمة من قال : بنبوّته بالنبوّة { أَنِ اشكر لِي } { أن } هي المفسرة ؛ لأن في إيتاء الحكمة معنى القول . وقيل : التقدير قلنا له : { أن اشكر لي } . وقال الزجاج المعنى : ولقد آتينا لقمان الحكمة لأن أشكر لي . وقيل : بأن أشكر لي فشكر فكان حكيماً بشكره ، والشكر لله الثناء عليه في مقابلة النعمة وطاعته فيما أمر به . ثم بين سبحانه : أن الشكر لا ينتفع به إلا الشاكر ، فقال : { وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } لأن نفع ذلك راجع إليه وفائدته حاصلة له ؛ إذ به تستبقى النعمة وبسببه يستجلب المزيد لها من الله سبحانه { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ حَمِيدٌ } أي من جعل كفر النعم مكان شكرها ، فإن الله غنيّ عن شكره غير محتاج إليه ، حميد مستحق للحمد من خلقه ؛ لإنعامه عليهم بنعمه التي لا يحاط بقدرها ، ولا يحصر عددها ، وإن لم يحمده أحد من خلقه ، فإن كل موجود ناطق بحمده بلسان الحال . قال يحيى بن سلام : غنيّ عن خلقه حميد في فعله .

/خ19