99- وهو الذي أنزل من السحاب ماء أخرج به نبات كل صنف ، فأخرج من النبات شيئاً غَضَّا طريَّا ، ونخرج منه حباً كثيراً بعضه فوق بعض ، ومن طلع النخل عراجين نخرجها محملة بالثمار سهلة التناول ، وأخرجنا كذلك بالماء جنات من الأعناب والزيتون والرمان ، ومنها ما هو متماثل الثمر في الشكل وغير متماثل في الطعم والرائحة ونوع الفائدة . انظروا في تدبر واعتبار إلى ثمره حين يثمر ، وإلى نضجه كيف تم بعد أطوار مختلفة ؟ إن في ذلك لدلائل لقوم ينشدون الحق ويؤمنون به ويذعنون له{[64]} .
ثم يمضي السياق إلى مشاهد الحياة المتفتحة في جنيات الأرض . تراها الأعين ، وتستجليها الحواس ، وتتدبرها القلوب . وترى فيها بدائع صنع الله . . والسياق يعرضها - كما هي في صفحة الكون - ويلفت إليها النظر في شتى أطوارها ، وشتى أشكالها ، وشتى أنواعها ؛ ويلمس الوجدان بما فيها من حياة نامية ، ودلالة على القدرة التي تبدع الحياة ؛ كما يوجه القلب إلى استجلاء جمالها والاستمتاع بهذا الجمال :
( وهو الذي أنزل من السماء ماء ، فأخرجنا به نبات كل شيء . فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا . ومن النخل من طلعها قنوان دانية . وجنات من أعناب والزيتون والرمان ، مشتبها وغير متشابه . انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه . إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون ) . .
والماء كثيرا ما يذكر في القرآن في صدد ذكر الحياة والإنبات .
( وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء ) . .
ودور الماء الظاهر في إنبات كل شيء دور واضح يعلمه البدائي والمتحضر ، ويعرفه الجاهل والعالم . . ولكن دور الماء في الحقيقة أخطر وأبعد مدى من هذا الظاهر الذي يخاطب به القرآن الناس عامة . فقد شارك الماء ابتداء - بتقدير الله - في جعل تربة الأرض السطحية صالحة للإنبات [ إذا صحت النظريات التي تفترض أن سطح الأرض كان في فترة ملتهبا ، ثم صلبا لا توجد فيه التربة التي تنبت الزرع ، ثم تم ذلك بتعاون الماء والعوامل الجوية على تحويلها إلى تربة لينة ] ثم ظل الماء يشارك في إخصاب هذه التربة ، وذلك بإسقاط [ النتروجين - الأزوت ] من الجو كلما أبرق فاستخلصت الشرارة الكهربائية ، التي تقع في الجو ، النتروجين الصالح للذوبان في الماء ويسقط مع المطر ، ليعيد الخصوبة إلى الأرض . . وهو السماد الذي قلد الإنسان القوانين الكونية في صنعه ، فأصبح يصنعه الآن بنفس الطريقة ! وهو المادة التي يخلو وجه الأرض من النبات لو نفدت من التربة !
( فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا . ومن النخل من طلعها قنوان دانية . وجنات من أعناب . والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه ) . .
وكل نبت يبدأ أخضر . واللفظ ( خضر ) أرق ضلا ، وأعمق ألفة من لفظ " أخضر " . . هذا النبت الخضر ( يخرج منه حبا متراكبًا ) . . كالسنابل وأمثالها . ( ومن النخل من طلعها قنوان دانية ) . . وقنوان جمع قنو وهو الفرع الصغير . وفي النخلة هو العذق الذي يحمل الثمر . ولفظة ( قنوان ) ووصفها( دانية ) يشتركان في إلقاء ظل لطيف أليف . وظل المشهد كله ظل وديع حبيب . . ( وجنات من أعناب ) . . ( والزيتون والرمان ) . هذا النبات كله بفصائله وسلالاته – ( مشتبها وغير متشابه )- ( انظروا إلى ثمرة إذا أثمر وينعه ) . . انظروا بالحس البصير ، والقلب اليقظ . . انظروا إليه في ازدهاره ، وازدهائه ، عند كمال نضجه . انظروا إليه واستمتعوا بجماله . . لا يقول هنا ، كلوا من ثمره إذا أثمر ، ولكن يقول : ( انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه ) لأن المجال هنا مجال جمال ومتاع ، كما أنه مجال تدبر في آيات الله ، وبدائع صنعته في مجالي الحياة .
( إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون ) . .
فالإيمان هو الذي يفتح القلب ، وينير البصيرة ، وينبه أجهزة الاستقبال والاستجابة في الفطرة ، ويصل الكائن الإنساني بالوجود ، ويدعو الوجدان إلى الإيمان بالله خالق الجميع . . وإلا فإن هناك قلوبا مغلقة ، وبصائر مطموسة ، وفطرا منتكسة ، تمر بهذا الإبداع كله ، وبهذه الآيات كلها ، فلا تحس بها ولا تستجيب . . ( إنما يستجيب الذين يسمعون ) ، وإنما يدرك هذه الآيات الذين يؤمنون !
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.