المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمۡ كُفُّوٓاْ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَخۡشَوۡنَ ٱلنَّاسَ كَخَشۡيَةِ ٱللَّهِ أَوۡ أَشَدَّ خَشۡيَةٗۚ وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبۡتَ عَلَيۡنَا ٱلۡقِتَالَ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖۗ قُلۡ مَتَٰعُ ٱلدُّنۡيَا قَلِيلٞ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلَا تُظۡلَمُونَ فَتِيلًا} (77)

77- ألم تنظر يا محمد فتعجب إلى الذين رغبوا في القتال قبل أن يجئ الإذن به فقيل لهم : لم يأت وقت القتال ، فكفوا أيديكم عنه ، واحرصوا على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، فلما فرض اللَّه عليهم القتال إذا طائفة منهم يخافون الناس كخوف اللَّه أو أشد وقالوا مستغربين : لِمَ كتبت علينا القتال ؟ متوهمين أن في فرضية القتال تعجيلاً لآجالهم ولذلك قالوا : هلاًّ أخرتنا إلى زمن قريب نستمتع فيه بما في الدنيا ؟ فقل لهم : تقدموا للقتال ولو أدى إلى استشهادكم ، فمتاع الدنيا مهما عَظُمَ قليل بجوار متاع الآخرة ، والآخرة خير وأعظم لمن اتقى اللَّه وستجزون على أعمالكم في الدنيا ولا تنقصون من الجزاء شيئا مهما صغر .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمۡ كُفُّوٓاْ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَخۡشَوۡنَ ٱلنَّاسَ كَخَشۡيَةِ ٱللَّهِ أَوۡ أَشَدَّ خَشۡيَةٗۚ وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبۡتَ عَلَيۡنَا ٱلۡقِتَالَ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖۗ قُلۡ مَتَٰعُ ٱلدُّنۡيَا قَلِيلٞ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلَا تُظۡلَمُونَ فَتِيلًا} (77)

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا * أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ }

كان المسلمون -إذ كانوا بمكة- مأمورين بالصلاة والزكاة أي : مواساة الفقراء ، لا الزكاة المعروفة ذات النصب والشروط ، فإنها لم تفرض إلا بالمدينة ، ولم يؤمروا بجهاد الأعداء لعدة فوائد :

منها : أن من حكمة الباري تعالى أن يشرع لعباده الشرائع على وجه لا يشق عليهم ؛ ويبدأ بالأهم فالأهم ، والأسهل فالأسهل .

ومنها : أنه لو فرض عليهم القتال -مع قلة عَدَدِهِم وعُدَدِهِم وكثرة أعدائهم- لأدى ذلك إلى اضمحلال الإسلام ، فروعي جانب المصلحة العظمى على ما دونها ولغير ذلك من الحِكَم .

وكان بعض المؤمنين يودون أن لو فرض عليهم القتال في تلك الحال ، غير اللائق فيها ذلك ، وإنما اللائق فيها القيام بما أمروا به في ذلك الوقت من التوحيد والصلاة والزكاة ونحو ذلك كما قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا } فلما هاجروا إلى المدينة وقوي الإسلام ، كُتب عليهم القتال في وقته المناسب لذلك ، فقال فريق من الذين يستعجلون القتال قبل ذلك خوفا من الناس وضعفا وخورا : { رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ } ؟ وفي هذا تضجرهم واعتراضهم على الله ، وكان الذي ينبغي لهم ضد هذه الحال ، التسليم لأمر الله والصبر على أوامره ، فعكسوا الأمر المطلوب منهم فقالوا : { لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ } أي : هلَّا أخرت فرض القتال مدة متأخرة عن الوقت الحاضر ، وهذه الحال كثيرًا ما تعرض لمن هو غير رزين واستعجل في الأمور قبل وقتها ، فالغالب عليه أنه لا يصبر عليها وقت حلولها ولا ينوء بحملها ، بل يكون قليل الصبر . ثم إن الله وعظهم عن هذه الحال التي فيها التخلف عن القتال فقال : { قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى } أي : التمتع بلذات الدنيا وراحتها قليل ، فتحمل الأثقال في طاعة الله في المدة القصيرة مما يسهل على النفوس ويخف عليها ؛ لأنها إذا علمت أن المشقة التي تنالها لا يطول لبثها هان عليها ذلك ، فكيف إذا وازنت بين الدنيا والآخرة ، وأن الآخرة خير منها ، في ذاتها ، ولذاتها وزمانها ، فذاتها -كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت عنه- " أن موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها " . ولذاتها صافية عن المكدرات ، بل كل ما خطر بالبال أو دار في الفكر من تصور لذة ، فلذة الجنة فوق ذلك كما قال تعالى : { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } وقال الله على لسان نبيه : " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " .

وأما لذات الدنيا فإنها مشوبة بأنواع التنغيص الذي لو قوبل بين لذاتها وما يقترن بها من أنواع الآلام والهموم والغموم ، لم يكن لذلك نسبة بوجه من الوجوه .

وأما زمانها ، فإن الدنيا منقضية ، وعمر الإنسان بالنسبة إلى الدنيا شيء يسير ، وأما الآخرة فإنها دائمة النعيم وأهلها خالدون فيها ، فإذا فكّر العاقل في هاتين الدارين وتصور حقيقتهما حق التصور ، عرف ما هو أحق بالإيثار ، والسعي له والاجتهاد لطلبه ، ولهذا قال : { وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى } أي : اتقى الشرك ، وسائر المحرمات . { وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا } أي : فسعيكم للدار الآخرة ستجدونه كاملاً موفرًا غير منقوص منه شيئًا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمۡ كُفُّوٓاْ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَخۡشَوۡنَ ٱلنَّاسَ كَخَشۡيَةِ ٱللَّهِ أَوۡ أَشَدَّ خَشۡيَةٗۚ وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبۡتَ عَلَيۡنَا ٱلۡقِتَالَ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖۗ قُلۡ مَتَٰعُ ٱلدُّنۡيَا قَلِيلٞ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلَا تُظۡلَمُونَ فَتِيلًا} (77)

المعنى : { قل } يا محمد لهؤلاء : { متاع الدنيا } ، أي الاستمتاع بالحياة فيها الذي حرصتم عليه وأشفقتم من فقده { قليل } ، لأنه فان زائل { والآخرة } التي هي نعيم مؤبد { خير } لمن أطاع الله واتقاه في الامتثال لأوامره ، على المحاب والمكاره ، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم «تظلمون » بالتاء على الخطاب ، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي «يظلمون » بالياء على ترك المخاطبة وذكر الغائب ، والفتيل الخيط في شق نواة التمرة ، وقد تقدم القول فيه .