لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمۡ كُفُّوٓاْ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَخۡشَوۡنَ ٱلنَّاسَ كَخَشۡيَةِ ٱللَّهِ أَوۡ أَشَدَّ خَشۡيَةٗۚ وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبۡتَ عَلَيۡنَا ٱلۡقِتَالَ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖۗ قُلۡ مَتَٰعُ ٱلدُّنۡيَا قَلِيلٞ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلَا تُظۡلَمُونَ فَتِيلًا} (77)

أخْرِجُوا أيديَكُمْ عن أمورِكم ، وكِلُوها إلى معبودكم .

ويقال اقصروها عن أخذ الحرام والتصرف فيه .

ويقال امْتَنِعُوا عن الشهوات .

ويقال : { كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ } إلا عن رَفْعِها إلى الله في السؤال بوصف الابتهال .

فلمَّا كتب عليهم القتال استثقلوا أمره ، واستعجلوا لطفه . والعبودية في تَرْكِ الاستثقال ، ونفي الاستعجال ، والتباعد عن التبرم والاستثقال .

قوله جلّ ذكره : { قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ والآخرة خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاُ } .

مَكَّنَكَ من الدنيا ثم قال : { قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ } فلم يَعُدَّها شيئاً لك ثم لو تَصَدَّقْتَ منها بِشقِّ تمرةٍ لتَخَلَّصْتَ من النار ، وحظيت بالجنة ، وهذا غاية الكرم .

واستقلالُ الكثير من نفسك - لأجل حبيبك - أقوى أمارات صُحْبتك .

ويقال لما زَهَّدَهم في الدنيا قلَّلَها في أعينهم ليهون ( عليها ) تركها .

ويقال قل متاعُ الدنيا بجملتها قليلٌ ، والذي هو نصيبك منها أقلُّ من القليل ، فمتى يناقشك لأجلها ( بالتخليل ) ، ولو سَلِم عهدك من التبديل ؟

وإذا كانت قيمة الدنيا قليلة فأخَسُّ من الخسيس مَنْ رَضِيَ بالخسيس بدلاً عن النفيس .

وقد اخْتَلَعَ المؤمن من الكون بالتدريج . فقال أولاً : { قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ } ( فأحفظهم ) عن الدنيا بالعقبى ، ثم سلبهم عن الكونين بقوله :

{ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى }[ طه : 73 ]