الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمۡ كُفُّوٓاْ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَخۡشَوۡنَ ٱلنَّاسَ كَخَشۡيَةِ ٱللَّهِ أَوۡ أَشَدَّ خَشۡيَةٗۚ وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبۡتَ عَلَيۡنَا ٱلۡقِتَالَ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖۗ قُلۡ مَتَٰعُ ٱلدُّنۡيَا قَلِيلٞ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلَا تُظۡلَمُونَ فَتِيلًا} (77)

{ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ } أي كفوها عن القتال وذلك أن المسلمين كانوا مكفوفين عن مقاتلة الكفار ما داموا بمكة ، وكانوا يتمنون أن يؤذن لهم فيه { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القتال } بالمدينة كع فريق منهم لا شكاً في الدين ولا رغبة عنه ، ولكن نفوراً من الإخطار بالأرواح وخوفاً من الموت { كَخَشْيَةِ الله } من إضافة المصدر إلى المفعول ،

فإن قلت : ما محل ( كخشية الله ) من الإعراب ؟ قلت : محله النصب على الحال من الضمير في ( يخشون ) أي يخشون الناس مثل أهل خشية الله ، أي مشبهين لأهل خشية الله { أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } بمعنى أو أشد خشية من أهل خشية الله ، وأشد معطوف على الحال .

فإن قلت : لم عدلت عن الظاهر وهو كونه صفة للمصدر ولم تقدر يخشون خشية مثل خشية الله ، بمعنى مثل ما يخشى الله ؟ قلت : أبى ذلك قوله : { أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } لأنه وما عطف عليه في حكم واحد ، ولو قلت يخشون الناس أشد خشية ؟ لم يكن إلا حال عن ضمير الفريق ولم ينتصب انتصاب المصدر ، لأنك لا تقول خشي فلان أشد خشية ، فتنصب خشية وأنت تريد المصدر ، إنما تقول أشد خشية فتجرّها ، وإذا نصبتها لم يكن أشد خشية إلا عبارة عن الفاعل حالاً منه ، اللَّهم إلا أن تجعل الخشية خاشية وذات خشية ، على قولهم جد جده فتزعم أن معناه يخشون الناس خشية مثل خشية الله ، أو خشية أشد خشية من خشية الله ، ويجوز على هذا أن يكون محل ( أشد ) مجروراً عطفاً على ( خشية الله ) تريد كخشية الله أو كخشية أشد خشية منها { لَوْلا أَخَّرْتَنَا إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ } استزادة في مدة الكف ، واستمهال إلى وقت آخر ، كقوله : { لَوْلا أَخَّرْتَنِى إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ } [ المنافقون : 15 ] . { وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } ولا تنقصون أدنى شيء من أجوركم على مشاق القتال فلا ترغبوا عنه ، وقرىء : «ولا يظلمون » ، بالياء .