لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمۡ كُفُّوٓاْ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَخۡشَوۡنَ ٱلنَّاسَ كَخَشۡيَةِ ٱللَّهِ أَوۡ أَشَدَّ خَشۡيَةٗۚ وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبۡتَ عَلَيۡنَا ٱلۡقِتَالَ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖۗ قُلۡ مَتَٰعُ ٱلدُّنۡيَا قَلِيلٞ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلَا تُظۡلَمُونَ فَتِيلًا} (77)

قوله عز وجل : { ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } قال الكلبي نزلت في عبد الرحمن بن عوف الزهري والمقداد بن الأسود الكندي وقدامة بن مظعون الجمحي وسعد بن أبي وقاص وجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يلقون من المشركين أذى كثيراً بمكة قبل أن يهاجروا فكانوا يقولون يا رسول الله ائذن لنا في قتالهم فإنهم قد آذونا فيقول لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كفوا أيديكم فإني لم أومر بقتالهم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " يعني قيل لهم كفوا أيديكم عن قتالهم وأدوا ما افترض عليكم من الصلاة والزكاة وفيه دليل على أن فرض الصلاة والزكاة كان قبل فرض الجهاد { فلما كتب عليهم القتال } أي فرض عليهم جهاد المشركين وأمروا بالخروج إلى بدر { إذا فريق منهم } يعني إذا جماعة من الذين سألوا أن يفرض عليهم الجهاد { يخشون الناس } يعني يخافون مشركي مكة { كخشية الله أو أشد خشية } أو بمعنى الواو يعني وأشد خشية { وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال } يعني لمَ فرضت علينا الجهاد { لولا أخرتنا إلى أجل قريب } يعني هلاّ تركتنا ولم تفرض علينا القتال حتى نموت بآجالنا والقائلون لهذا القول هم المنافقون لأن هذا القول لا يليق بالمؤمنين وقيل قاله بعض المؤمنين وإنما قالوا ذلك خوفاً وجبناً لا اعتقاداً ثم إنهم تابوا من هذا القول { قل } أي قل لهم يا محمد { متاع الدنيا قليل } يعني أن منفعتها والاستمتاع بالدنيا قليل لأنه فان زائل { والآخرة } يعني وثواب الآخرة { خير لمن اتقى } يعني اتقى الشرك ومعصية الرسول صلى الله عليه وسلم { ولا تظلمون فتيلاً } أي ولا تنقصون من أجوركم قدر فتيل ( م ) عن المستورد بن شداد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه هذه وأشار يعني بالسبابة في اليم فلينظر بم ترجع " .