مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمۡ كُفُّوٓاْ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَخۡشَوۡنَ ٱلنَّاسَ كَخَشۡيَةِ ٱللَّهِ أَوۡ أَشَدَّ خَشۡيَةٗۚ وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبۡتَ عَلَيۡنَا ٱلۡقِتَالَ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖۗ قُلۡ مَتَٰعُ ٱلدُّنۡيَا قَلِيلٞ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلَا تُظۡلَمُونَ فَتِيلًا} (77)

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ } أي عن القتال { وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكواة فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القتال } أي فرض بالمدينة { إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ يَخْشَوْنَ الناس كَخَشْيَةِ الله } يخافون أن يقاتلهم الكفار كما يخافون أن ينزل الله عليهم بأسه ، لا شكاً في الدين ولا رغبة عنه ولكن نفوراً عن الإخطار بالأرواح وخوفاً من الموت . قال الشيخ أبو منصور رحمه الله : هذه خشية طبع لا أن ذلك منهم كراهة لحكم الله وأمره اعتقاداً ، فالمرء مجبول على كراهة مافيه خوف هلاكه غالباً ، وخشية الله من إضافة المصدر إلى المفعول ومحله النصب على الحال من الضمير في «يخشون » أي يخشون الناس مثل خشية أهل الله أي مشبهين لأهل خشية الله { أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } هو معطوف على الحال أي أو أشد خشية من أهل خشية الله وأو للتخيير أي إن قلت ؛ خشيتهم الناس كخشية الله فأنت مصيب ، وإن قلت : إنها أشد فأنت مصيب لأنه حصل لهم مثلها وزيادة .

{ وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القتال لَوْلا أَخَّرْتَنَا إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ } هلا أمهلتنا إلى الموت فنموت على الفرش ، وهو سؤال عن وجه الحكمة في فرض القتال عليهم لا اعتراض لحكمه بدليل أنهم لم يوبخوا على هذا السؤال بل أجيبوا بقوله { قُلْ متاع الدنيا قَلِيلٌ والأخرة خَيْرٌ لّمَنِ اتقى } متاع الدنيا قليل زائل ومتاع الآخرة كثير دائم ، والكثير إذا كان على شرف الزوال فهو قليل فكيف القليل الزائل ! { وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } ولا تنقصون أدنى شيء من أجوركم على مشاق القتل فلا ترغبوا عنه . وبالياء : مكي وحمزة وعلي . ثم أخبر أن الحذر لا ينجي من القدر بقوله :