بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمۡ كُفُّوٓاْ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَخۡشَوۡنَ ٱلنَّاسَ كَخَشۡيَةِ ٱللَّهِ أَوۡ أَشَدَّ خَشۡيَةٗۚ وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبۡتَ عَلَيۡنَا ٱلۡقِتَالَ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖۗ قُلۡ مَتَٰعُ ٱلدُّنۡيَا قَلِيلٞ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلَا تُظۡلَمُونَ فَتِيلًا} (77)

ثم قال عز وجل :

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ } يعني ألم تخبر عنهم ، ويقال : إن معناه ألا ترى إلى هؤلاء ، وذلك أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كانوا بمكة استأذنوا في قتل كفار مكة سراً ، لما كانوا يلقون منهم من الأذى ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : مهلاً { كفوا أيديكم } عن قتالهم { وَأقيموا الصلاة } فإني لم أؤمر بقتالهم ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أمره الله تعالى بالقتال ، فكره بعضهم فنزلت هذه الآية : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ } عن القتل { وَأقيموا الصلاة } أي أتموها { وَآتوا الزكاة } يعني : أقروا بها وأعطوها إذا وجبت عليكم { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القتال } أي فرض عليهم القتال بالمدينة { إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ يَخْشَوْنَ الناس } أي يخشون عذاب الكفار { كَخَشْيَةِ الله } أي كخشيتهم من عذاب الله { أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } أي بل أشد خشية ، ويقال : معناه أو أشد خشية يعني أكثر خوفاً { وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القتال } أي لم فرضت علينا القتال { لَوْلا أَخَّرْتَنَا } أي يقولوا هلاّ أجلتنا { إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ } وهو الموت ، فبيّن الله تعالى لهم أن الدنيا فانية فقال : { قُلْ متاع الدنيا قَلِيلٌ } أي منفعة الدنيا قليلة لأنها لا تدوم . وقال عليه الصلاة والسلام : " مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَرَاكِبٍ قَالَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا "

ثم قال تعالى : { والآخرة خَيْرٌ لّمَنِ اتقى } يقول : ثواب الآخرة أفضل لمن اتقى الشرك والمعاصي { وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } وقد ذكرناه . قرأ نافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر : ( ولا تظلمون ) بالتاء على معنى المخاطبة . وقرأ الباقون بالياء على معنى الخبر يعني المتقين .