فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمۡ كُفُّوٓاْ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَخۡشَوۡنَ ٱلنَّاسَ كَخَشۡيَةِ ٱللَّهِ أَوۡ أَشَدَّ خَشۡيَةٗۚ وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبۡتَ عَلَيۡنَا ٱلۡقِتَالَ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖۗ قُلۡ مَتَٰعُ ٱلدُّنۡيَا قَلِيلٞ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلَا تُظۡلَمُونَ فَتِيلًا} (77)

ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا آخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا( 77 )

{ ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية } الاستفهام قد يراد به التعجيب ، والمخاطب النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل من يصلح للخطاب ؛ وربما يكون هذا في أمر ناس أسلموا قبل فرض القتال ، فلما فرض كرهوه ؛ نقل نحو هذا عن السدي ، ومنه : ولم يكن عليهم إلا الصلاة والزكاة ، فسألوا الله أن يفرض عليهم القتال ، فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله . . . ؛ وعن مجاهد : { ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة } إلى قوله : { لاتبعتم الشيطان إلا قليلا } ما بين ذلك في اليهود ؛ وعن ابن عباس : نهى الله تبارك وتعالى هذه الأمة أن يصنعوا صنيعهم ؛ وفريق من المفسرين منهم صاحب تفسير القرآن العظيم ، وصاحب روح المعاني نقلوا عن ابن جرير وغيره نقولا تخالف ما أوردناه( {[1470]} ) ؛ وهي مع قصورها عن مستوى الصحة تنسب إلى الصحب الكرام رضوان الله عليهم ما ننزههم عنه ، كما أن السياق يأباه ؛ يقول الحق جل علاه : { وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك } ، { وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب }- ومعاذ الله أن يصدر هذا القول من صحابي كريم يعلم أن الآجال محدودة والأرزاق مقسومة ، بل كانوا لأوامر الله ممتثلين سامعين طائعين ، يرون الوصول إلى الدار الآجلة خيرا من المقام في الدار العاجلة ؛ على ما هو معروف من سيرتهم- رضي الله عنهم-( {[1471]} ) ؛ مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن : وفي الآية دلالة على أن إيجاب الصلاة والزكاة كان مقدما على الجهاد ، وهو أيضا ترتيب مطابق لما في العقول ، لأن التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله مقدمان على الترهيب والقتل في سبيل الله ، . . . ، يخشون الناس مشبهين لأهل خشية الله ، أو أشد خشية من خشية أهل الله ، . . . ، وكلمة { أو } ليست للشك ههنا ، فإن ذلك على علام الغيوب محال ، ولكنها بمعنى الواو . . . . .

{ وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب } . . . . . ، هلا تركتنا حتى نموت بآجالنا ! ، ثم أزال الشبهة وأزاح العلة بقوله : { قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير } لا لكل الناس بل { لمن اتقى } ، فإن للكافر والفاسق هنالك نيرانا وأهوالا ، ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم : " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " ، وأما ترجيح الآخرة : فلأن نعم الدنيا قليلة ، ونعم الآخرة كثيرة ، ونعم الدنيا منعطفة ، ونعم الآخرة مؤبدة ، ونعم الدنيا مشوبة بالأقذار ، ونعم الآخرة صافية عن الأكدار ، ونعم الدنيا مشكوكة التمتع بها ، ونعم الآخرة يقينية الانتفاع منها .


[1470]:نقل صاحب روح المعاني شهاب الدين محمود الألوسي عن الكلبي: نزلت في عبد الرحمن بن عوف الزهيري، والمقداد بن الأسود الكندي، وقدامة بن مظعون الجمحي، وسعد بن أبي وقاص..؛ ونقل آخرون عن النسائي عن ابن عباس نحو ذك.
[1471]:من الجامع لأحكام القرآن.