الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمۡ كُفُّوٓاْ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَخۡشَوۡنَ ٱلنَّاسَ كَخَشۡيَةِ ٱللَّهِ أَوۡ أَشَدَّ خَشۡيَةٗۚ وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبۡتَ عَلَيۡنَا ٱلۡقِتَالَ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖۗ قُلۡ مَتَٰعُ ٱلدُّنۡيَا قَلِيلٞ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلَا تُظۡلَمُونَ فَتِيلًا} (77)

قوله : ( اَلَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ) الآية [ 77 ] .

هذه الآية نزلت في ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تسرعوا إلى قتال( {[12897]} ) المشركين بمكة قبل الهجرة ، بما يلقون منهم من الأذى ، فقيل لهم : كفوا أيديكم عن القتال وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فكانوا يتمنون القتال ( فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ) كرهه جماعة منهم( {[12898]} ) ، ومعنى كتب فرض ، ومعنى ( لَوْلاَ أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ ) أي : إلى أن نموت( {[12899]} ) بآجالنا ، ولا نتعرض للقتال فنقتل ، حباً( {[12900]} ) للدنيا فقال الله تعالى ( قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى ) .

قال ابن عباس : هو عبد الرحمن بن عوف وأصحابه سألوا النبي صلى الله عليه وسلم القتال ثم كرهه جماعة منهم لما فرض عليهم( {[12901]} ) .

وقال السدي : قوم أسلموا قبل أن يفرض القتال فسألوا القتال : فلما فرض عليهم كرهه جماعة منهم وخاف( {[12902]} ) منه كما يخاف الله وأشد من ذلك( {[12903]} ) .

وقيل : هم المنافقون عبد الله بن أبي وأصحابه( {[12904]} ) .

وقيل : نزلت في يهود فعلوا ذلك ، فنهى الله هذه الأمة( {[12905]} ) أن تصنع صنيعهم( {[12906]} ) .

ويجوز –والله أعلم- أن يكون هؤلاء اليهود الذين فعلوا ذلك هم الذين ذكرهم الله في البقرة في قوله ( إِذْ قَالُوا لِنَبِيءٍ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ) ثم قال : ( فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ ) أي فرض ( تَوَلّوِ اِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ )( {[12907]} )( {[12908]} ) .

ومن قراء ( وَلاَ تُظْلَمُونَ ) بالتاء( {[12909]} ) أجراه على الخطاب لأن بعده ( أَيْنَمَا تَكُونُوا ) .

ومن قرأ بالياء أجراه على ما قبله وهو قوله : ( إِذَا فَرِِيقٌ مِّنْهُمْ ) وقوله ( وَقَالُوا )( {[12910]} ) وقوله ( لَهُمْ( {[12911]} ) ) وقوله ( كُفُوا )( {[12912]} ) وشبهه .


[12897]:- (د): قتل.
[12898]:- انظر: أسباب النزول: 95.
[12899]:- (د): تموت.
[12900]:- (د): حياً.
[12901]:- انظر: جامع البيان 5/170.
[12902]:- كذا.. وصوابه وخيف.
[12903]:- انظر: جامع البيان 5/171.
[12904]:- يعزى لابن عباس ومجاهد. انظر: المصدر السابق.
[12905]:- (د): الآية وهو تحريف.
[12906]:- انظر: المصدر السابق 5/171-172.
[12907]:- البقرة آية 246.
[12908]:- انظر: أسباب النزول: 95.
[12909]:- قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: ولا تظلمون بالتاء وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي "ولا يظلمون" بالياء انظر: السبعة 235، وحجة القراءات: 208.
[12910]:- (قَالُوا رَبَّنَا كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ) [النساء: 77].
[12911]:- (اَلَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُؤاً) [النساء: 77].
[12912]:- (أ): كفراً وهو خطأ.