المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّـٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (8)

8- يا أيها المؤمنون ، حافظوا محافظة تامة على أداء حقوق الله ، وأدُّوا الشهادة بين الناس على وجهها الحق ، ولا يحملنكم بغضكم الشديد لقوم على أن تجانبوا العدل معهم ، بل التزموا العدل ، فهو أقرب سبيل إلى خشية الله والبعد{[51]} عن غضبه ، واخشوا الله في كل أموركم ، فإنه - سبحانه - عليم بكل ما تفعلون ، ومجازيكم عليه .


[51]:يدعو الإسلام إلى العدالة المطلقة مع الولي ومع العدو على السواء فلا يصح أن يكون البغض حاملا على الظلم، وذلك ينطبق على معاملات الأفراد، ومعاملات الإسلام مع غيره من الدول، والعدالة مع العدو يصرح النص القرآني بأنها أقرب للتقوى ولو طبق ذلك في القانون الدولي لما قدمت حرب، فإذا كان لكل دين سمة وعلامة فسمة الإسلام التوحيد والعدالة.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّـٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (8)

{ 8 ْ } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ْ }

أي { يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ْ } بما أُمِرُوا بالإيمان به ، قوموا بلازم إيمانكم ، بأن تكونوا { قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ْ } بأن تنشط للقيام بالقسط حركاتكم الظاهرة والباطنة .

وأن يكون ذلك القيام لله وحده ، لا لغرض من الأغراض الدنيوية ، وأن تكونوا قاصدين للقسط ، الذي هو العدل ، لا الإفراط ولا التفريط ، في أقوالكم ولا أفعالكم ، وقوموا بذلك على القريب والبعيد ، والصديق والعدو .

{ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ ْ } أي : لا يحملنكم بغض { قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ْ } كما يفعله من لا عدل عنده ولا قسط ، بل كما تشهدون لوليكم ، فاشهدوا عليه ، وكما تشهدون على عدوكم فاشهدوا له ، ولو كان كافرا أو مبتدعا ، فإنه يجب العدل فيه ، وقبول ما يأتي به من الحق ، لأنه حق لا لأنه قاله ، ولا يرد الحق لأجل قوله ، فإن هذا ظلم للحق .

{ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ْ } أي : كلما حرصتم على العدل واجتهدتم في العمل به ، كان ذلك أقرب لتقوى قلوبكم ، فإن تم العدل كملت التقوى .

{ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ْ } فمجازيكم بأعمالكم ، خيرها وشرها ، صغيرها وكبيرها ، جزاء عاجلا ، وآجلا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّـٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (8)

{ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا } عداه بعلى لتضمنه معنى الحمل ، والمعنى لا يحملنكم شدة بغضكم للمشركين على ترك العدل فيهم فتعتدوا عليهم بارتكاب ما لا يحل ، كمثلة وقذف وقتل نساء وصبية ونقض عهد تشفيا مما في قلوبكم . { اعدلوا هو أقرب للتقوى } أي العدل أقرب للتقوى ، صرح لهم بالأمر بالعدل وبين أنه بمكان من التقوى بعدما نهاهم عن الجور وبين أنه مقتضى الهوى ، وإذا كان هذا للعدل مع الكفار فما ظنك بالعدل مع المؤمنين . { واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون } فيجازيكم به ، وتكرير هذا الحكم إما لاختلاف السبب كما قيل إن الأولى نزلت في المشركين وهذه في اليهود ، أو لمزيد الاهتمام بالعدل والمبالغة في إطفاء ثائرة الغيظ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّـٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (8)

ثم أمر تعالى المؤمنين بالقيام دأباً متكرراً بالقسط وهو العدل ، وقد تقدم نظير هذا في سورة النساء وتقدم في صدر هذه السورة نظير قوله : { ولا يجرمنكم شنآن قوم } [ المائدة : 2 ] وباقي الآية بيّن متكرر والله المعين .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّـٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (8)

لمّا ذكّرهم بالنَعمة عقّب ذلك بطلب الشكر للمنعم والطاعة له ، فأقبل على خطابهم بوصف الإيمان الذي هو منبع النعم الحاصلة لهم .

فالجملة استئناف نشأ عن ترقّب السامعين بعد تعداد النعم . وقد تقدّم نظير هذه الآية في سورة النساء ، ولكن آية سورة النساء ( 135 ) تقول : { كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله } وما هنا بالعكس .

ووجه ذلك أنّ الآية الّتي في سورة النّساء وردت عقب آيات القضاء في الحقوق المبتدأة بقوله : { إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ لتحكم بين النّاس بما أراك الله } [ النساء : 105 ] ، ثمّ تعرّضت لقضية بني أبيرق في قوله : { ولا تَكُن للخائنين خصيماً } [ النساء : 105 ] ، ثمّ أردفت بأحكام المعاملة بين الرّجال والنّساء ، فكان الأهمّ فيها أمرَ العدل فالشهادةِ . فلذلك قدّم فيها { كونوا قوامين بالقسط شهداء لله } [ النساء : 135 ] ؛ فالقسط فيها هو العدل في القضاء ، ولذلك عدّي إليه بالباء ، إذ قال : { كونوا قوامين بالقسط } [ النساء : 135 ] .

وأمّا الآية الّتي نحن بصدد تفسيرها فهي واردة بعد التذكير بميثاق الله ، فكان المقام الأوّل للحصّ على القيام لله ، أي الوفاء له بعهودهم له ، ولذلك عدّي قوله : { قوّامين } باللام . وإذ كان العهد شهادة أتبع قولُه : { قوّامين لله } بقوله : { شهداء بالقسط } ، أي شهداء بالعدل شهادة لا حيف فيها ، وأولَى شهادة بذلك شهادتهم لله تعالى . وقد حصل من مجموع الآيتين : وجوب القيام بالعدل ، والشهادة به ، ووجوب القيام لله ، والشهادة له .

وتقدّم القول في معنى { ولا يجرمنَّكم شنئان قوم } قريباً ، ولكنّه هنا صرّح بحرف ( على ) وقد بيّناه هنالك . والكلام على العدل تقدّم في قوله : { وإذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل } [ النساء : 58 ] .

والضمير في قوله : { هو أقرب } عائد إلى العدل المفهوم من { تعدلوا } ، لأنّ عود الضمير يُكتفى فيه بكلّ ما يفهم حتّى قد يعودُ على ما لا ذكر له ، نحو { حتّى توارتْ بالحجاب } [ ص : 32 ] . على أنّ العرب تجعل الفعل بمعنى المصدر في مراتب :

المرتبة الأولى : أن تدخُل عليه ( أن ) المصدرية .

الثّانية : أن تُحذف ( أن ) المصدريّة ويبقى النصب بها ، كقول طرفة :

ألا أيّهذَا الزاجري أحْضُرَ الوغى *** وأن أشهدَ اللذاتِ هَلْ أنت مُخلدي

بنصب ( أحضرُ ) في رواية ، ودلّ عليه عطف ( وأن أشهد ) .

الثّالثة : أن تُحذف ( أن ) ويُرفع الفعل عملاً على القرينة ، كما روي بيت طرفة ( أحضرُ ) برفع أحضرُ ، ومنه قول المثل ( تَسْمَعُ بالمعيدي خير من أن تراه ) ، وفي الحديث « تحمل لأخِيك الركابَ صدقة »

الرابعة : عود الضمير على الفعل مراداً به المصدر ، كما في هذه الآية . وهذه الآية اقتصر عليها النحاة في التمثيل حتّى يخيّل للنّاظر أنّه مثال فَذٌّ في بابه ، وليس كذلك بل منه قوله تعالى : { وينذر الّذين قالوا اتّخذ الله ولداً } [ الكهف : 4 ] . وأمثلته كثيرة : منها قوله تعالى : { ما لهم به من علم } [ الكهف : 5 ] ، فضمير { به } عائد إلى القول المأخوذ من { قالوا } ، ومنه قوله تعالى : { ذلك ومن يعظّم حرمات الله فهو خير له عند ربّه } [ الحج : 30 ] ، فضمير { فهو } عائد للتعظيم المأخوذ من فعل { يعظّم } ، وقول بشّار :

واللَّه ربّ محمَّد *** مَا إن غَدَرْت ولا نوَيتُه

أي الغدر .

ومعنى { أقرب للتقوى } أي للتقوى الكاملة الّتي لا يشذّ معها شيء من الخير ، وذلك أنّ العدل هو ملاك كبح النّفس عن الشهوة وذلك ملاك التّقوى .