إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّـٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (8)

{ يَا أَيُّهَا الذين آمنُوا } شروعٌ في بيان الشرائع المتعلقةِ بما يجري بينهم وبين غيرِهم إثْرَ بيانِ ما يتعلق بأنفسهم { كُونُوا قَوَّامِينَ للَّهِ } مقيمين لأوامره ممتثلين لها معظِّمين لها مراعين لحقوقها { شُهَدَاء بالقسط } أي بالعدل { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ } أي لا يحمِلَنَّكم { شَنَانُ قَوْمٍ } أي شدةُ بغضِكم لهم { عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا } فلا تشهَدوا في حقوقهم بالعدل ؛ أو فتعتدوا عليهم بارتكاب ما لا يحِلُّ كَمُثلةٍ وقَذْفٍ وقتلِ نساءٍ وصِبْيةٍ ونقضِ عهدٍ تشفياً وغيرِ ذلك { اعدلوا هُوَ } أي العدلُ { أَقْرَبُ للتقوى } الذي أمرتم به ، صرح لهم بالأمر بالعدل وبيّن أنه بمكانٍ من التقوى بعد ما نهاهم عن الجَوْر ، وبيَّن أنه مقتضى الهوى ، وإذا كان وجوبُ العدل في حق الكفار بهذه المثابة فما ظنُّك بوجوبه في حق المسلمين { واتقوا الله } أمرَ بالتقوى إثْرَ ما بين أن العدلَ أقربُ له اعتناءً بشأنه وتنبيهاً على أنه ملاكُ الأمر { إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } من الأعمال فيجازيكم بذلك ؛ وتكريرُ هذا الحُكم إما لاختلاف السببِ ، كما قيل إن الأولَ نزل في المشركين وهذا في اليهود ، أو لمزيد الاهتمام بالعدل والمبالغة في إطفاءِ ثائرةِ الغيظ والجملة تعليلٌ لما قبلها وإظهارُ الجلالة لما مرَّ مرات .