المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (2)

2- الثناء الجميل بكل أنواعه وعلي كل حال لله وحده ، ونثنى عليه الثناء كله لأنه منشئ المخلوقات والقائم عليها .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (2)

{ الْحَمْدُ لِلَّهِ } [ هو ] الثناء على الله بصفات الكمال ، وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل ، فله الحمد الكامل ، بجميع الوجوه . { رَبِّ الْعَالَمِينَ } الرب ، هو المربي جميع العالمين -وهم من سوى الله- بخلقه إياهم ، وإعداده لهم الآلات ، وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة ، التي لو فقدوها ، لم يمكن لهم البقاء . فما بهم من نعمة ، فمنه تعالى .

وتربيته تعالى لخلقه نوعان : عامة وخاصة .

فالعامة : هي خلقه للمخلوقين ، ورزقهم ، وهدايتهم لما فيه مصالحهم ، التي فيها بقاؤهم في الدنيا .

والخاصة : تربيته لأوليائه ، فيربيهم بالإيمان ، ويوفقهم له ، ويكمله لهم ، ويدفع عنهم الصوارف ، والعوائق الحائلة بينهم وبينه ، وحقيقتها : تربية التوفيق لكل خير ، والعصمة عن كل شر . ولعل هذا [ المعنى ] هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب . فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة .

فدل قوله { رَبِّ الْعَالَمِينَ } على انفراده بالخلق والتدبير ، والنعم ، وكمال غناه ، وتمام فقر العالمين إليه ، بكل وجه واعتبار .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (2)

{ الحمد لله } الحمد هو الثناء على الجميل الاختياري من نعمة أو غيرها ، والمدح هو الثناء على الجميل مطلقا ، تقول حمدت زيدا على علمه وكرمه ، ولا تقول حمدته على حسنه ، بل مدحته وقيل هما أخوان ، والشكر : مقابلة النعمة قولا وعملا واعتقادا قال :

أفادتكم النعماء مني ثلاثة *** يدي ولساني والضمير المحجبا

فهو أعم منهما من وجه ، وأخص من آخر ولما كان الحمد من شعب الشكر أشيع للنعمة ، وأدل على مكانها لخفاء الاعتقاد ، وما في آداب الجوارح من الاحتمال جعل رأس الشكر والعمدة فيه فقال عليه الصلاة والسلام : " الحمد رأس الشكر ، وما شكر الله من لم يحمده " .

والذم نقيض الحمد والكفران نقيض الشكر . ورفعه بالابتداء وخبره لله وأصله النصب وقد قرئ به ، وإنما عدل عنه إلى الرفع ليدل على عموم الحمد وثباته له دون تجدده وحدوثه . وهو من المصادر التي تنصب بأفعال مضمرة لا تكاد تستعمل معها ، والتعريف فيه للجنس ومعناه : الإشارة إلى ما يعرف كل أحد أن الحمد ما هو ؟ أو للاستغراق إذ الحمد في الحقيقة كله له ، إذ ما من خير إلا وهو موليه بوسط أو بغير وسط كما قال تعالى وما { بكم من نعمة فمن الله } وفيه إشعار بأنه تعالى حي قادر مريد عالم . إذ الحمد لا يستحقه إلا من كان هذا شأنه . وقرئ الحمد لله بإتباع الدال اللام وبالعكس تنزيلا لهما من حيث إنهما يستعملان معا منزلة كلمة واحدة .

{ رب العالمين } الرب في الأصل مصدر بمعنى التربية : وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا ، ثم وصف به للمبالغة كالصوم والعدل . وقيل هو نعت من ربه يربه فهو رب ، كقولك نم ينم فهو نم ، ثم سمى به المالك لأنه يحفظ ما يملكه ويربيه . ولا يطلق على غيره تعالى إلا مقيدا كقوله { ارجع إلى ربك } والعالم اسم لما يعلم به ، كالخاتم والقالب ، غلب فيما يعلم به الصانع تعالى ، وهو كل ما سواه من الجواهر والأعراض ، فإنها لإمكانها وافتقارها إلى مؤثر واجب لذاته تدل على وجوده ، وإنما جمعه ليشمل ما تحته من الأجناس المختلفة ، وغلب العقلاء منهم فجمعه بالياء والنون كسائر أوصافهم . وقيل اسم وضع لذوي العلم من الملائكة والثقلين ، وتناوله لغيرهم على سبيل الاستتباع . وقيل عني به الناس ههنا فإن كل واحد منهم عالم من حيث إنه يشتمل على نظائر ما في العالم الكبير من الجواهر والأعراض يعلم بها الصانع كما يعلم بما أبدعه في العالم الكبير ، ولذلك سوى بين النظر فيهما ، وقال تعالى : { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } وقرئ { رب العالمين } بالنصب على المدح . أو النداء . أو بالفعل الذي دل عليه الحمد ، وفيه دليل على أن الممكنات كما هي مفتقرة إلى المحدث حال حدوثها فهي مفتقرة إلى المبقي حال بقائها .