مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (2)

{ الحمد } الوصف بالجميل على جهة التفضيل ، وهو رفع بالابتداء وأصله النصب . وقد قرئ بإضمار فعله على أنه من المصادر المنصوبة بأفعال مضمرة في معنى الإخبار كقولهم شكراً وكفراً . والعدول عن النصب إلى الرفع للدلالة على ثبات المعنى واستقراره والخبر . { لِلَّهِ } واللام متعلق بمحذوف أي واجب أو ثابت . وقيل : الحمد والمدح أخوان وهو الثناء والنداء على الجميل من نعمة وغيرها . تقول : حمدت الرجل على إنعامه وحمدته على شجاعته وحسبه ، وأما الشكر فعلى النعمة خاصة وهو بالقلب واللسان والجوارح قال :

أفادتكم النعماء مني ثلاثة *** يدي ولساني والضمير المحجبا

أي القلب ، والحمد باللسان وحده وهو إحدى شعب الشكر ومنه الحديث « الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لم يحمده » وجعله رأس الشكر لأن ذكر النعمة باللسان أشيع لها من الاعتقاد وآداب الجوارح لخفاء عمل القلب وما في عمل الجوارح من الاحتمال ، ونقيض الحمد الذم ونقيض الشكر الكفران . وقيل : المدح ثناء على ما هو له من أوصاف الكمال ككونه باقياً قادراً عالماً أبدياً أزلياً ، والشكر ثناء على ما هو منه من أوصاف الإفضال والحمد يشملهما . والألف واللام فيه للاستغراق عندنا خلافاً للمعتزلة ، ولذا قرن باسم الله لأنه اسم ذات فيستجمع صفات الكمال وهو بناء على مسألة خلق الأفعال وقد حققته في مواضع . { رَبّ العالمين } الرب المالك ومنه قول صفوان لأبي سفيان : لأن يربني رجل من قريش أحب إليّ من أن يربني رجل من هوازن . تقول ربه يربه رباً فهو رب ، ويجوز أن يكون وصفاً بالمصدر للمبالغة كما وصف بالعدل . ولم يطلقوا الرب إلاّ في الله وحده وهو في العبيد مع التقييد { إِنَّهُ رَبّي أَحْسَنَ مَثْوَايَّ } [ يوسف : 23 ] { قَالَ ارجع إلى رَبّكَ } [ يوسف : 50 ] ، وقال الواسطي : هو الخالق ابتداء ، والمربي غذاء ، والغافر انتهاء . وهو اسم الله الأعظم والعالم كل ما علم به الخالق من الأجسام والجواهر والأعراض ، أو كل موجود سوى الله تعالى سمي به لأنه علم على وجوده . وإنما جمع بالواو والنون مع أنه يختص بصفات العقلاء أو ما في حكمها من الأعلام لما فيه من معنى الوصفية وهي الدلالة على معنى العلم .