بسم الله الرحمان الرحيم وبه نستعين
الآية 2 قوله عز وجل : ( الحمد لله ) احتمل أن يكون – جل ثناؤه- حمد نفسه ليعلم الخلق{[36]} استحقاقه الحمد بذاته ، فيحمدوه .
فإن قيل : كيف يجوز أن يحمد نفسه ، ومثله في الخلق غير محمود ؟ قيل له : لوجهين .
أحدهما : أنه استحق الحمد بذاته لا بأحد ، فيكون{[37]} في ذلك تعريف الخلق لما يزلفهم لديه بما أثنى على نفسه ليثنوا عليه . وغيره إنما يكون ذلك له به عز وجل فعليه توجيه الحمد إليه لا إلى نفسه ؛ إذ نفسه لا تستوجبه بها بل بالله تعالى .
والثاني : أن الله تعالى حقيق لذلك ؛ إذ لا عيب يمسه ، ولا آفة تحل به فيدخل نقصان{[38]} في ذلك ، ولا هو مأمور{[32]} بشيء . والعبد لا يخلو عن عيوب تمسه وآفات تحل به ، ويمدح بالائتمار ، ويذم بتركه . وفي ذلك يكمن{[33]} النقصان ، وحق لمثله الفزع إلى الله تعالى والتضرع إليه ليتغمده برحمته ، ويتجاوز عن صنيعه .
وعلى ذلك معنى التكبر{[34]} ؛ نحمد به ربنا ، ولا نحمد غيره ؛ إذ ليس للعبد معنى يستقيم [ به ]{[35]} تكبره ؛ إذ هم جميعا أكفاء من طريق [ المحنة والخِلقة ]{[36]} وما أدرك أحد من فضيلة أو رفعة فبالله أدركه لا بنفسه فعليه تنزيه الرب والفزع إليه بالشكر لا بالتكبر على أمثاله ، والله تعالى ، عن هذا الوصف متعال .
ويحتمل أن يكون قوله تعالى : ( الحمد لله ) على إضمار الأمر ، أي قولوا : ( الحمد لله ) لأن الحمد يضاف إلى الله فلا بد من أن يكون له علينا ، فأمر بالحمد لذلك .
أحدهما : ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : ( الحمد لله ) أي الشكر لله [ بما صنع إلى خلقه ]{[37]} فيخرج تأويل الآية على هذا الترتيب{[38]} على الأمر بتوجيه الشكر إليه . وذلك يتضمن الأمر أيضا بكل الممكن من الطاعة على ما روي عن النبي ( ص ) أنه صلى حتى تورمت قدمه ، فقيل له : أليس قد غفر [ الله ]{[32]} ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : " أفلا أكون عبدا شكورا ؟ " [ البخاري 1130 ] . فصير أنواع الطاعات شكرا له . فمن أطاع الله تعالى فقد شكر له . فيخرج تأويل الآية على هذا .
والوجه الثاني : أن{[33]} يخرج مخرج الثناء على الله عز وجل والمدح له والوصف بما يستحقه والتنزيه عما لا يليق به من توجيه النعم إليه وقطع الشركة عنه في الإنعام والإفضال على عباده .
وعلى ذلك ما روي عن رسول الله ( ص ) أن الله عز وجل يقول : " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين " [ مسلم 395 ] فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) قال الله عز وجل " حمدني عبدي " فجعل الحمد هذا الحرف ، وصيره منه ثناء لوجهين :
أحدهما : أنه نسب الربوبية إليه في جميع العالم ، وقطعه عن غيره .
والثاني : أنه سمى{[34]} ذلك صلاة . والصلاة أتم للثناء والدعاء . وذلك خلاف الذم ونقيضه . وفي الوصف بالبراءة من الذم مدح وثناء بغاية المدح والثناء . ولذلك يفرق القول بين الشكر والحمد ؛ إذ أمرنا بالشكر للناس بما جاء عن رسول الله ( ص ) : " إن من لم يشكر الناس لم يشكر الله " [ أحمد 2/258 ] صيره بمعنى المجازاة ، والحمد بمعنى الوصف بما هو أهله . فلم يستحب الحمد إلا لله .
وقوله تعالى ( رب العالمين ) روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : ( [ ( رب العالمين ) أي ]{[35]} سيد العالمين ) . والعالم كل من دب على وجه الأرض . وقد يتوجه الرب إلى الربوبية لا إلى السؤدد ؛ إذ يستقيم القول ب ( وهو رب كل شيء ) [ الأنعام : 164 ] من بني آدم وغيره ونحو{[36]} : ( رب السماوات والأرض ) [ الرعد : 16 و . . . ] [ من الربوبية ]{[37]} و( رب العرش العظيم ) [ التوبة : 129 و . . . ] ونحوه ، وغير مستقيم لسيد السماوات ونحوه .
وقد يتوجه اسم الرب إلى المال ؛ إذ{[38]} كل من ينسب إليه الملك يسمى مالكه{[32]} ، ولا يسمى سيدا{[33]} إلا في بني آدم خاصة .
واسم الرب يجمع{[34]} ذلك كله . لذلك كان التوجيه إلى المالك أقرب ، وإن احتمل المروي عن ابن عباس رضي الله عنه إذ هو في الحقيقة سيد من ذكر وربهم . والله الموفق .
ثم اختلف أهل التفسير في ( العالمين ) فمنهم من رد إلى كل روح ، دبّ على وجه الأرض ، ومنهم من رد إلى [ كل ]{[35]} ذي روح في الأرض وغيرها .
ومنهم من قال : لله كذا وكذا{[36]} عالم .
والتأويل عندنا ما أجمع [ عليه ]{[37]} أهل الكلام : أن العالمين اسم لجميع الأنام والخلق جميعا . وقول أهل التفسير يرجع إلى مثله إلا أنهم ذكروا أسماء الأعلام ، وأهل الكلام ما يجمع ذلك وغيرهم .
ثم العالم اسم للجميع{[38]} ، وكذلك الخلق . ثم تعريف ذلك بالعالمين والخلائق يتوجه إلى جمع الجمع من غير أن يكون في التحقيق تفاوت . وقد يتوجه إلى عالم كل زمام وكذا خلق كل زمان على حكم تجدد العالم . وبالله التوفيق .
وفي ذلك أن الله عز وجل ادعى لنفسه [ أنه ]{[32]} رب العالمين كلهم " من تقدم ومن تأخر ومن كان ، ويكون [ ولم يقدر ]{[33]} أحد أن ينطق بالتكذيب [ أو ]{[34]} يدعي من ذلك شيئا لنفسه . دل ذلك أن لا رب غيره ولا خالق لشيء سواه ؛ إذ لا يجوز أن يكون حكيما أو إلها ينشئ ويبدع / 2-أ/ ولا يدعيه ، ولا يفصل ما كان منه مما{[35]} كان لغيره ، وبنفسه قام ذلك لا بغيره . وعلى ذلك معنى قوله : ( وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ) [ المؤمنون : 91 ] فهذا مع ما [ في اتساق ]{[36]} التدبير واجتماع التضاد وتعلق حوائج بعض ببعض وقيام منافع بعض ببعض على تباعد بعض من بعض وتضادها دليل واضح على أن مدبر{[37]} ذلك كله واحد وأنه لا يجوز كون مثل ذلك من غير مدبر عليم{[38]} . والله المستعان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.