الحمد : هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية{[18]} . وأما المدح فهو أعم من الحمد إذ قد يمدح الطعام والمكان ونحو ذلك . هذا من وجهة نظر اللغويين .
أما أئمة التفسير فقالوا في معنى { الحمد لله } : الثناء على الله بصفاته خالصا له دون سائر ما يعبد من دونه ، ودون كل ما برأ من خلقه بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد ، في تصحيح الآلات لطاعته ، وتمطين جوارح أجسام المكلفين لأداء فرائضه ، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق وغذاهم من نعيم العيش ، من غير استحقاق منهم ذلك عليه ، ومع ما نبههم من الأسباب المؤدية إلى دوام الخلود في دار المقام في النعيم المقيم . فلربنا الحمد على ذلك كله أولا وآخرا .
ونقل ابن جرير عن ابن عباس : قل يا محمد : الحمد لله ؛ و( ال ) للاستغراق . ويرى أن ( الحمد لله ) ثناء أثنى به على نفسه وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنه قال : قولوا الحمد لله .
وأورد ابن كثير : أن الألف واللام في ( الحمد ) لاستغراق جميع أجناس الحمد وصنوفه لله تعالى . {[19]}
وفرق الحسن النيسابوري صاحب تفسير " غرائب القرآن ورغائب الفرقان " فرق بين الحمد والمدح فقال : ( الحمد ) للحي ؛ والمدح للحي ولغير الحي كاللؤلؤة والياقوتة ، والمدح قد يكون قبل الإحسان ؛ والحمد إنما يكون بعد الإحسان . والحمد مأمور به مطلقا{[20]} . وذهب إلى أن المعنى : المحامد التي أتى بها الأولون والآخرون من الملائكة والثقلين{[21]} لله تعالى ، وكذا المحامد التي سيذكرونها إلى وقت قوله تعالى : { دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين }{[22]} وإلى أبد الآبدين .
ويرى أبو عبد الله محمد ابن أحمد الأنصاري القرطبي أن { الحمد لله } توحيد وحمد ؛ و( الحمد ) أعم من الشطر ؛ إذ ( الحمد ) ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان ، والشكر ثناء على المشكور بما أولى من إحسان .
وأورد الألوسي صاحب " روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني " أن ( الحمد ) يشترط له –شرعا - أن يكون الحامد معظما بثنائه للمحمود ظاهرا وباطنا . كما روى : أن الشكر يكون -غالبا- بالعمل كما جاء في الآية الكريمة : { . . اعملوا آل داود شكرا . . }{[23]} .
و( الله ) علم على الرب تبارك وتعالى ، ويقال : إنه الاسم الأعظم ؛ لأنه يوصف بجميع الصفات . كما قال جل ثناؤه : { هو الله الخالق البارئ المصور . . }{[24]} وهو اسم لم يسم به غير الله عز وجل{[25]} .
سيد مطاع ومصلح مرب ، ومالك ؛ فربنا جل ثناؤه المعبود الذي لا مثل له ولا ند في عظمته وهيمنته ، والمصلح أمر خلقه بما تولاهم به وأسبغه عليهم من رعايته ونعمته وهداه ، والمالك الذي له الخلق والأمر .
جمع عالم ، وهو الصنف من الأمم ، فالإنس عالم ، وكل أهل زمان منهم عالم ذلك الزمان ، والجن عالم ، وكذلك سائر أجناس الخلق ، كل جنس منها عالم زمانه{[26]} .
وأما عن منزلة الحمد وفضل الحامدين فإن الحمد كلمة كل شاكر ، وذكر رددته أنبياء الله ورسله ، وتعبدهم به المولى سبحانه ؛ قال الله –عز شأنه- لنوح عليه السلام { . . فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين }{[27]} ؛ كما قال جل ثناؤه- حكاية عن إبراهيم عليه السلام - : { الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحق . . . }{[28]} ؛ وقال في قصة داود وسليمان { . . وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين }{[29]} ؛ وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا . . } {[30]} وأهل الجنة يقولون – كما علمنا القرآن العظيم { . . الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن }{[31]} . { . . وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين }{[32]} .
ولقد كان خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم –وهو خير قدوة وأكرم أسوة – حامدا لله تعالى على كل حال{[33]} .
وروى مسلم في صحيحه عن أنس ابن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ، أو يشرب الشربة فيحمده عليها ) .
وروى البخاري والترمذي عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا رفعت مائدته قال : ( الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، الحمد لله الذي كفانا وآوانا غير مكفئ ولا مكفور ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا ) .
وروى مسلم عن أنس أنه كان إذا أوى إلى فراشه قال ( الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كَافِيَ لَهُ كفا له ولا مُؤْوِيَ مؤوى له ) .
وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يقول ( اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد . . ) .
ومما روى مسلم عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.