فأمر رسوله أن يشكر ربه على ذلك ، ويسبح بحمده ويستغفره ، وأما الإشارة ، فإن في ذلك إشارتين : إشارة لأن يستمر النصر لهذا الدين{[1488]} ، ويزداد عند حصول التسبيح بحمد الله واستغفاره من رسوله ، فإن هذا من الشكر ، والله يقول : { لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } ، وقد وجد ذلك في زمن الخلفاء الراشدين ، وبعدهم في هذه الأمة لم يزل نصر الله مستمرًا ، حتى وصل الإسلام إلى ما لم يصل إليه دين من الأديان ، ودخل فيه ، ما لم يدخل في غيره ، حتى حدث من الأمة من مخالفة أمر الله ما حدث ، فابتلاهم{[1489]} الله بتفرق الكلمة ، وتشتت الأمر ، فحصل ما حصل .
[ ومع هذا ] فلهذه الأمة ، وهذا الدين ، من رحمة الله ولطفه ، ما لا يخطر بالبال ، أو يدور في الخيال .
وأما الإشارة الثانية ، فهي الإشارة إلى أن أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرب ودنا ، ووجه ذلك أن عمره عمر فاضل ، أقسم الله به .
وقد عهد أن الأمور الفاضلة تختم بالاستغفار ، كالصلاة والحج ، وغير ذلك .
فأمر الله لرسوله بالحمد والاستغفار في هذه الحال ، إشارة إلى أن أجله قد انتهى ، فليستعد ويتهيأ للقاء ربه ، ويختم عمره بأفضل ما يجده صلوات الله وسلامه عليه .
فكان صلى الله عليه وسلم يتأول القرآن ، ويقول ذلك في صلاته ، يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : " سبحانك اللهم وبحمدك ، اللهم اغفر لي " .
{ فسبح بحمد ربك } فتعجب لتيسير الله ما لم يخطر ببال أحد حامدا له ، أو فصل له حامدا على نعمه . روي أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة بدأ بالمسجد ، فدخل الكعبة ، وصلى ثماني ركعات . أو فنزهه تعالى عما كانت الظلمة يقولون فيه ، حامدا له على أن صدق وعده . أو فأثن على الله تعالى بصفات الجلال ، حامدا له على صفات الإكرام .
واستغفره هضما لنفسك واستقصارا لعملك واستدراكا لما فرط منك من الالتفات إلى غيره وعنه عليه صلى الله عليه وسلم إني لأستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرة وقيل استغفره لأمتك وتقديم التسبيح على الحمد ثم الحمد على الاستغفار على طريق النزول من الخالق إلى الخلق كما قيل ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله إنه كان توابا لمن استغفره مذ خلق المكلفين .
والأكثر على أن السورة نزلت قبل فتح مكة ، وأنه نعي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه لما قرأها بكى العباس رضي الله عنه ، فقال صلى الله عليه وسلم : " ما يبكيك " ؟ فقال : نعيت إليك نفسك . فقال : " إنها لكما تقول " ، ولعل ذلك لدلالتها على تمام الدعوة ، وكمال أمر الدين ، فهي كقوله تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم } ، أو لأن الأمر بالاستغفار تنبيه على دنو الأجل ، ولهذا سميت سورة التوديع . وعنه صلى الله عليه وسلم : " من قرأ سورة ( إذا جاء ) أعطي من الأجر كمن شهد مع محمد صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة " شرفها الله تعالى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.