11- إن الذين اخترعوا الكذب الصارف عن كل هداية بالنسبة لعائشة زوج النبي - صلي الله عليه وسلم - إذ أشاعوا حولها الإفك والكذب - هم جماعة ممن يعيشون معكم ، لا تظنوا هذه الحادثة شراً لكم بل هي خير لكم ، لأنها ميَّزت المنافقين من المؤمنين الخالصين ، وأظهرت كرامة المبرئين منها ، والمتألمين ، ولكل شخص من هذه الجماعة المتهمة جزاؤه علي مقدار اشتراكه في هذا الاتهام ، ورأس هذه الجماعة له عذاب عظيم لعظم جرمه .
{ 11 - 26 } { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُم } إلى آخر الآيات
وهو قوله : { لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } لما ذكر فيما تقدم ، تعظيم الرمي بالزنا عموما ، صار ذلك كأنه مقدمة لهذه القصة ، التي وقعت على أشرف النساء ، أم المؤمنين رضي الله عنها ، وهذه الآيات ، نزلت في قصة الإفك المشهورة ، الثابتة في الصحاح والسنن والمسانيد .
وحاصلها أن النبي صلى الله عليه وسلم ، في بعض غزواته ، ومعه زوجته عائشة الصديقة بنت الصديق ، فانقطع عقدها فانحبست في طلبه ورحلوا جملها وهودجها ، فلم يفقدوها ، ثم استقل الجيش راحلا ، وجاءت مكانهم ، وعلمت أنهم إذا فقدوها ، رجعوا إليها فاستمروا في مسيرهم ، وكان صفوان بن المعطل السلمي ، من أفاضل الصحابة رضي الله عنه ، قد عرس في أخريات القوم ونام ، فرأى عائشة رضي الله عنها فعرفها ، فأناخ راحلته ، فركبتها من دون أن يكلمها أو تكلمه ، ثم جاء يقود بها بعد ما نزل الجيش في الظهيرة ، فلما رأى بعض المنافقين الذين في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم ، في ذلك السفر مجيء صفوان بها في هذه الحال ، أشاع ما أشاع ، ووشى الحديث ، وتلقفته الألسن ، حتى اغتر بذلك بعض المؤمنين ، وصاروا يتناقلون هذا الكلام ، وانحبس الوحي مدة طويلة عن الرسول صلى الله عليه وسلم . وبلغ الخبر عائشة بعد ذلك بمدة ، فحزنت حزنا شديدا ، فأنزل الله تعالى براءتها في هذه الآيات ، ووعظ الله المؤمنين ، وأعظم ذلك ، ووصاهم بالوصايا النافعة . فقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ } أي : الكذب الشنيع ، وهو رمي أم المؤمنين { عُصْبَةٌ مِنْكُمْ } أي : جماعة منتسبون إليكم يا معشر المؤمنين ، منهم المؤمن الصادق [ في إيمانه ولكنه اغتر بترويج المنافقين ]{[559]} ومنهم المنافق .
{ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } لما تضمن ذلك تبرئة أم المؤمنين ونزاهتها ، والتنويه بذكرها ، حتى تناول عموم المدح سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما تضمن من بيان الآيات المضطر إليها العباد ، التي ما زال العمل بها إلى يوم القيامة ، فكل هذا خير عظيم ، لولا مقالة أهل الإفك لم يحصل ذلك ، وإذا أراد الله أمرا جعل له سببا ، ولذلك جعل الخطاب عاما مع المؤمنين كلهم ، وأخبر أن قدح بعضهم ببعض كقدح في أنفسهم ، ففيه أن المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ، واجتماعهم على مصالحهم ، كالجسد الواحد ، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ، فكما أنه يكره أن يقدح أحد في عرضه ، فليكره من كل أحد ، أن يقدح في أخيه المؤمن ، الذي بمنزلة نفسه ، وما لم يصل العبد إلى هذه الحالة ، فإنه من نقص إيمانه وعدم نصحه .
{ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ } وهذا وعيد للذين جاءوا بالإفك ، وأنهم سيعاقبون على ما قالوا من ذلك ، وقد حد النبي صلى الله عليه وسلم منهم جماعة ، { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ } أي : معظم الإفك ، وهو المنافق الخبيث ، عبد الله بن أبي بن سلول -لعنه الله- { لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ألا وهو الخلود في الدرك الأسفل من النار .
{ إن الذين جاءوا بالإفك } بأبلغ ما يكون من الكذب من الإفك ، وهو الصرف لأنه قول مأفوك عن وجهه ، والمراد ما أفك به على عائشة رضي الله تعالى عنها . وذلك أنه عليه الصلاة والسلام استصحبها في بعض الغزوات فأذن ليلة في القفول بالرحيل ، فمشت لقضاء حاجة ثم عادت إلى الرحل فلمست صدرها فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع ، فرجعت لتلتمسه فظن الذي كان يرحلها أنها دخلت الهودج فرحله على مطيتها وسار ، فلما عادت إلى منزلها لم تجد ثمة أحدا فجلست كي يرجع إليها منشد ، وكان صفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه قد عرس وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلها فعرفها فأناخ راحلته فركبتها فقادها حتى أتيا الجيش فاتهمت به . { عصبة منكم } جماعة منكم وهي من العشرة إلى الأربعين وكذلك العصابة ، يريد عبد اله بن أبي ، وزيد بن رفاعة ، وحسان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة ، وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم ، وهي خبر إن وقوله : { لا تحسبوه شرا لكم } مستأنف والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعائشة وصفوان رضي اله تعالى عنهم والهاء للإفك . { بل هو خير لكم } لاكتسابكم به الثواب العظيم وظهور كرامتكم على الله بإنزال ثماني عشرة آية في براءتكم ، وتعظيم شأنكم وتهويل الوعيد لمن تكلم فيكم والثناء على من ظن بكم خيرا . { لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم } لكل جزاء ما اكتسب بقدر ما خاض فيه مختصا به . { والذي تولى كبره } معظمه وقرأ يعقوب بالضم وهو لغة فيه . { منهم } من الخائضين وهو ابن أبي فإنه بدأ به وأذاعه عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو هو وحسان ومسطح فإنهما شايعاه بالتصريح به { والذي } بمعنى الذين . { له عذاب عظيم } في الآخرة أو في الدنيا بأن جلدوا وصار ابن أبي مطرودا مشهورا بالنفاق ، وحسان أعمى أشل اليدين ، ومسطح مكفوف البصر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.