تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُو بِٱلۡإِفۡكِ عُصۡبَةٞ مِّنكُمۡۚ لَا تَحۡسَبُوهُ شَرّٗا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُم مَّا ٱكۡتَسَبَ مِنَ ٱلۡإِثۡمِۚ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبۡرَهُۥ مِنۡهُمۡ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (11)

الآية 11 : وقوله تعالى : ]إن الذين جاءوا بالإفك[ أي بالكذب ]عصبة منكم[ أي جماعة منكم .

ثم اختلف في قوله : ]منكم[ قال قائلون : كانوا من أصحاب ( عائشة رموها بما ذكر ){[13757]} في الآية . وقال بعضهم : كان ذلك من الفريقين جميعا من أصحاب أبي بكر وأقربائه والمنافقين أيضا .

فإن كان ذلك من أصحاب عائشة رضي الله عنها و أقربائها فلذلك يخرج منهم على الغفلة والعثرة ، ليس على الانتقام والحقد ، لأن القرابات والمتصلين بالرجل ، لا يقصد بعضهم ببعض الانتقام والحقد بمثله . فإذا كان كذلك فيخرج ذلك منهم ، إن كان مخرج الغفلة والزلة لا مخرج الانتقام .

وإن كان ذلك من المنافقين فهو على الانتقام وطلب الشين منهم لها .

وكان في ظاهر الآية دلالة أن ابتداء ذلك الإفك من المنافقين ، ثم تسامع المؤمنون بعد ذلك ، وتلقى{[13758]} بعضهم من بعض حين{[13759]} قالوا : ]لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا[ ( النور : 12 ) فإن كان ذلك فهو على ما وصفنا أن ذلك من المؤمنين غفلة وزلة وعثرة ، ومن المنافقين انتقام وطلب شين ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ]لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم[ قال{[13760]} بعضهم : ]بل هو خير لكم[ لأنكم تؤجرون على ما قيل فيكم من الفحش والقذف بما قرفوا به ]بل هو خير لكم[ في الآخرة على ما ذكرنا من الأجر .

ويحتمل قوله : ]بل هو خير لكم[ في الدنيا لما برأهم الله مما قرفوا به ، ودفع عنهم تمكين ما قرفوا به ، ووعد لهم الجنة بقوله : ]أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم[ ( النور : 26 ) .

وكان قبل نزول هذه الآية موهوما{[13761]} عند الناس فيها متمكنا{[13762]} احتمال ذلك الفعل .

ألا ترى أنه قال في آية أخرى : ]يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين[ ( الأحزاب : 30 ) وقال : ] ومن يقنت منكن لله ولرسوله[ ( الأحزاب : 31 ) كان الأمران جميعا موهومين{[13763]} عنهن عند الناس ومحتملين{[13764]} ذلك ؟

فلما فرقت وقع الله ما كان موهوما عند الناس قبل ذلك ، ووعد لهم الثواب الكريم والرزق الحسن بقوله : ]أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم[ فلا شك أن ذلك خير لهم في الدنيا والآخرة وشر لأولئك الذين رموها حتى لا{[13765]} يتجاسر أحد بعد ذلك ، ولا يجترئ أن يظن فيها ظن السوء فضلا عن أن يقول فيها شيئا .

وقصة عائشة ، رضي الله عنها طويلة لكنا ما كان بنا إلى ذلك حاجة ، أي أن يقال : ]بل هو خير لكم[ لما أنزل الله تعالى بشأنهم آيات فيها براءتهم عما قرفوا به ، تتلى تلك الآيات إلى يوم القيامة ؛ وذلك خير لهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ]ما اكتسب من الإثم[ أي إثم ما قرفها به ]والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم[ هو ذلك ( المنافق الذي ألقى ذلك ){[13766]} في الناس .

وقوله تعالى{[13767]} : ]له عذاب عظيم[ فيه دلالة أنه يموت على نفاقه . وكذلك ( مات ){[13768]} على نفاقه ، فلحقه هذا الوعيد ، قيل : هو عبد الله بن أبي بن سلول ]له عذاب عظيم[ لأنه كان منافقا .


[13757]:من م ،ساقطة من الأصل.
[13758]:في الأصل وم: ويتلقى.
[13759]:في الأصل وم: حيث
[13760]:في الأصل وم: وقال.
[13761]:في الأصل وم: موهوم.
[13762]:في الأصل وم: متمكن.
[13763]:في الأصل وم: موهوم.
[13764]:في الأصل وم: ومحتمل.
[13765]:في الأصل وم: لم.
[13766]:من م، ساقطة من الأصل.
[13767]:في الأصل وم: و.
[13768]:من م، ساقطة من الأصل.