الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُو بِٱلۡإِفۡكِ عُصۡبَةٞ مِّنكُمۡۚ لَا تَحۡسَبُوهُ شَرّٗا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُم مَّا ٱكۡتَسَبَ مِنَ ٱلۡإِثۡمِۚ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبۡرَهُۥ مِنۡهُمۡ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (11)

قوله : { إِنَّ الَّذِينَ جَآءُوا بِالإِفْكِ } : في خبر " إنَّ " وجهان ، أحدهما : أنه " عُصْبةٌ " و " منكم " صفتُه . قال أبو البقاء : " وبه أفادَ الخبر " . والثاني : أنَّ الخبرَ الجملةُ مِنْ قولِه { لاَ تَحْسَبُوهُ } ويكونُ " عُصْبَةٌ " بدلاً من فاعلِ " جاؤوا " . قال ابن عطية : " التقديرُ : إنَّ فِعْلَ الذين . وهذا أنْسَقُ في المعنى وأكثرُ فائدةً من أَنْ يكونَ " عُصبةٌ " خبرَ إنَّ . كذا أورده عنه الشيخ غيرَ معترِضٍ عليه . والاعتراضُ عليه واضحٌ : من حيث إنه أوقع خبرَ " إنَّ " جملةً طلبيةً ، وقد تقدم أنه لا يجوزُ . وإن وَرَدَ منه شيءٌ في الشعر أُوِّل كالبيتين المتقدمين ، وتقديرُ ابنِ عطيةَ ذلك المضافَ قبل الموصولِ ليَصِحَّ به التركيبُ الكلاميُّ ؛ إذ لو لم يُقَدِّرْ لكان التركيبُ : لا تَحْسَبوهم . ولا يعودُ الضمير في " لا تَحْسَبوه " على قولِ ابنِ عطيةَ على الإِفكِ لئلا تَخْلُوَ الجملةُ من رابطٍ يَرْبِطُها بالمبتدأ . وفي قولِ غيرِه يجوزُ أَنْ يعودَ على الإِفك أو على القَذِف ، أو على المصدرِ المفهومِ من " جاؤوا " أو على ما نال المسلمين من الغَمِّ .

قوله : { كِبْرَهُ } العامَّةُ على كسرِ الكافِ ، وضَمَّها في قراءته الحسنُ والزهريُّ وأبو رجاء وأبو البرهسم وابن أبي عبلة ومجاهد وعمرة بنت عبد الرحمن ، ورُوِيَتْ أيضاً عن أبي عمروٍ والكسائيّ فقيل : هما لغتان في مصدرِ كَبُرَ الشيءُ أي : عَظُم ، لكن غَلَبَ في الاستعمالِ أنَّ المضمومَ في السِّنِّ والمكانةِ يُقال : هو كُبْرُ القومِ بالضمِّ أي : أكبرُهم سِنَّاً أو مكانةً . وفي الحديث في قصة مُحَيِّصَة وحُوَيِّصَة " الكُبْرَ الكُبْرَ " وقيل : الضم معظمُ الإِفْكِ ، وبالكسرِ البُداءَةُ به . وقيل : بالكسر الإِثمُ .