غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُو بِٱلۡإِفۡكِ عُصۡبَةٞ مِّنكُمۡۚ لَا تَحۡسَبُوهُ شَرّٗا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُم مَّا ٱكۡتَسَبَ مِنَ ٱلۡإِثۡمِۚ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبۡرَهُۥ مِنۡهُمۡ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (11)

11

التفسير :

إنه سبحانه لما ذكر من أحكام القذف ما ذكر أتبعها حديث إفك عائشة الصدّيقة وما قذفها به أهل النفاق . روى الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلقمة بن أبي وقاص وكلهم رووا عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج اسمها خرج بها معه فأقرع بيننا في غزوة . قال الزهري : هي غزوة المريسيع . وذكره البخاري في غزوة بني المصطلق من خزاعة . قال : وهي غزوة المريسيع أيضاً . فخرج اسمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما انصرف وقرب من المدينة نزل منزلاً ثم أذن بالرحيل فقمت حين أذنوا بالرحيل ومشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني وأقبلت إلى رحلي لمست صدري فإذا عقد لي من حزع أظفار قد انقطع ، فرجعت والتمست عقدي وحبسني طلبه . وأقبل الرهط الذين كانوا يحملون فحملوا هودجي وهم يحسبون أني فيه لخفتي فإني كنت جارية حديثة السن وذهبوا بالبعير ، فلما رجعت إلى مكاني وليس به أحد جلست وقلت : يعودون في طلبي فنمت . وقد كان صفوان بن المعطل يمكث في المعسكر يتتبع أمتعته فيحمله إلى المنزل الآخر لئلا يذهب منهم شيء ، فلما رآني عرفني وقال : ما خلفك عن الناس ؟ فأخبرته الخبر فنزل وتنحى حتى ركبت ، ثم قاد البعير وافتقدني الناس حين نزلوا وخاض الناس في ذكري . فبيناهم في ذلك هجمت عليهم فتكلم القوم فيّ وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ومكثت شهراً أشتكي ولا يرقأ لي دمع أقول كما يقول العبد الصالح أبو يوسف { فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون } [ يوسف : 18 ] إلى أن نزل فيّ { إن الذين جاؤوا بالإفك } إلى آخر الآيات . وفي الحديث طول هذا حاصل سبب النزول . وأما التفسير فالإفك أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء . وقيل : هو البهتان . والعصبة الجماعة من العشرة إلى الأربعين . والتركيب يدل على الاجتماع ومنه العصابة . قال المفسرون . هم عبد الله بن أبي رأس النفاق ، وزيد بن رفاعة ، وحسان بن ثابت ، ومسطح ابن أثاثة ، وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم . ومعنى { منكم } أنهم كانوا من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهراً . أما الخطاب في قوله { لا تحسبوه شراً لكم } فالصحيح أنه لمن ساءه ذلك من المؤمنين وخاصة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعائشة وصفوان . ومعنى كونه خيراً لهم أنهم اكتسبوا فيه الثواب العظيم على قدر عظم البلاء ، وأنه نزلت فيه بضع عشرة آية فيها تعظيم شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وتسلية له وتنزيه لأم المؤمنين وتطهير لأهل البيت وتهويل للطاعنين فيهم إلى غير ذلك من الأحكام الشرعية والآداب العقلية . وقيل : الخطاب لعائشة وحدها والجمع لتعظيمها . وقيل : الخطاب للقاذفين وبيان الخيرية صرفهم عن الاستمرار على حديث الإفك إلى التوبة عن ذلك ، ولعل في هذا الذكر عقوبة معجلة لهم فيكون في هذا القول الكفارة . وضعف هذا القول بأنه لا يناسب تسلية الرسول والمؤمنين ولا يطابق قوله { لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم } أي يصيب كل خائض في حديث الإفك ما يصيبه من عقاب ما اكتسب من إثم الخوض . { والذي تولى كبره } أي معظم الإفك وهو في قول الضحاك حسان ومسطح ولهذا جلدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مع امرأة من قريش ، والشهر أنه عبد الله راس النفاق . ويحكى أن صفوان مر بهودجها وهو في ملأ من قومه فقال : من هذه ؟ فقالوا : عائشة . فقال : والله ما نجت منه ولا نجا منها وقال : امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم جاء يقودها . ويروى أن عائشة ذكرت حساناً وقالت : أرجو له الجنة . فقيل : أليس هو الذي تولى كبره ؟ فقالت : إذا سمعت شعره في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم رجوت له الجنة . وفي رواية أخرى قالت : وأي عذاب أشد من العمى .

/خ26