محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُو بِٱلۡإِفۡكِ عُصۡبَةٞ مِّنكُمۡۚ لَا تَحۡسَبُوهُ شَرّٗا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُم مَّا ٱكۡتَسَبَ مِنَ ٱلۡإِثۡمِۚ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبۡرَهُۥ مِنۡهُمۡ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (11)

ثم أشار تعالى إلى نبأ الإفك ، وتبرئة عائشة رضي الله عنها ، بقوله سبحانه :

{ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ } أي بأبلغ ما يكون من الكذب ، وقيل هو البهتان لا تشعر به حتى يفاجئك . والمراد به ما أفك به الصديقة ، أم المؤمنين رضي الله عنها ؟ فاللام للعهد ويجوز حمله على الجنس . قيل : فيفيد القصر ، كأنه لا إفك إلا هو . وفي لفظ ( المجيء ) إشارة إلى أنهم أظهروه من عند أنفسهم من غير أن يكون له أصل { عُصْبَةٌ مِّنكُمْ } أي جماعة منكم . خبر { إن } و{ منكم } نعت لها . وبه أفاد الخبر . وقوله تعالى { لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم } مستأنف ، والهاء ضمير الإفك أو القذف . والخطاب لرسول الله صلوات الله عليه وسلامه ، ولآل الصديق رضي الله عنهم ، ولمن ساءه ذلك من المؤمنين . تسلية لهم من أول الأمر وقوله تعالى : { بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } زيادة في التسلية والتكريم . أي لا تظنوه يلحق تهمة بكم ، أو يوقع نقيصة فيكم ، بل قد جر لكم خيرا عظيما .

قال الزمخشري : ومعنى كونه خيرا لهم ، أنهم اكتسبوا فيه الثواب العظيم . لأنه كان بلاء مبينا ومحنة ظاهرة . وانه نزلت فيه ثماني عشرة آية ، كل واحدة منها مستقلة ، بما هو تعظيم لشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسلية له ، وتنزيه لأم المؤمنين رضوان الله عليها ، وتطهير لأهل البيت ، وتهويل لمن تكلم في ذلك أو سمع به فلم تمجه أذناه . وعدة ألطاف للسامعين والتالين إلى يوم القيامة . وفوائد دينية وأحكام وآداب لا تخفى على متأمليها . { لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ } أي جزاؤه ، وذلك الذم في الدنيا إلى يوم القيامة ، والجلد ثمانين . ولعذاب الآخرة أشد { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } أي قام بعظمه وإشاعته ، بعد ابتدائه بالخوض فيه وهو رأس المنافقين عبد الله بن أبي ، لإمعانه في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانتهازه الفرص ، وطلبه سبيلا إلى الغميزة .

روى {[5669]} الطبري عن ابن زيد قال : أما الذي تولى كبره فعبد الله بن أبي ابن سلول الخبيث . هو الذي ابتدأ هذا الكلام وقال : امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ، ثم جاء يقود بها . والعذاب عظيم يعم عذابي الدارين ، كما قلنا .


[5669]:انظر الصفحة رقم 89 من الجزء الثامن عشر (طبعة الحلبي الثانية).