تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُو بِٱلۡإِفۡكِ عُصۡبَةٞ مِّنكُمۡۚ لَا تَحۡسَبُوهُ شَرّٗا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُم مَّا ٱكۡتَسَبَ مِنَ ٱلۡإِثۡمِۚ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبۡرَهُۥ مِنۡهُمۡ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (11)

ثم قال عز وجل : { إن الذين جاءو بالإفك } يعنى بالكذب { عصبة منكم } وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم انطلق غازيا ، وانطلقت معه عائشة بنت أبي بكر ، رضي الله عز وجل عنهما ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع النبي صلى الله عليه وسلم ، يومئذ رفيق له ، يقال له : صفوان بن معطل ، من بني سليم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سار ليلا مكث صفوان في مكانه ، حتى يصبح ، فإن سقط من المسلمين شيء من متاعهم حمله إلى العسكر فعرفه ، فإذا جاء صاحبه دفعه إليه ، وأن عائشة ، رضي الله عنها ، لما نودي بالرحيل ذات ليلة ركبت الرحل ، فدخلت هودجها ، ثم ذكرت حليا كان لها نسيته في المنزل ، فنزلت لتأخذ الحلى ، ولا يشعر بها صاحب البعير ، فانبعث فسار مع المعسكر ، فلما وجدت عائشة ، رضي الله عنها ، حليها ، وكان جزعا ظفاريا لا ذهب فيه ، ولا فضة ، ولا جوهر ، فإذا البعير قد ذهب ، فجعلت تمشي على إثره وهي تبكي ، وأصبح صفوان بن المعطل في المنزل ، ثم سار في أثر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فإذا هو بعائشة ، رضي الله عنها ، قد غطت وجهها تبكي ، فقال صفوان : من هذا ؟ فقالت : أنا عائشة ، فاسترجع ونزل عن بعيره ، وقال : ما شأنك يا أم المؤمنين ؟ فحدثته بأمر الحلى فحملها على بعيره ، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم ففقد عائشة ، رضي الله عنها ، فلم يجدها فلبثوا ما شاء الله ، ثم جاء صفوا وقد حملها على بعيره ، فقذفها عبد الله بن أبي ، وحسان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف ، وحمنة بنت جحش أخت عبد الله بن جحش الأسدي .

يقول الله تعالى : { لا تحسبوه شرا لكم } لأنكم تؤجرون على ما قد قيل لكم من الأذى { بل هو خير لكم } حين أمرتم بالتثبت والغطة { لكل امرى منهم ما اكتسب من الإثم } على قدر ما خاض فيه من أمر عائشة ، رضي الله عنها ، وصفوان بن المعطل السلمي ، { والذي تولى كبره منهم } يعنى عظمة منهم ، يعنى من العصبة ، وهو عبد الله ابن أبي رأس المنافقين ، وهو الذي قال : ما برئت منه ، وما برئ منها ، { له عذاب عظيم } آية ، أي شديد .

ففي هذه الآية عبرة لجميع المسلمين إذا كانت بينهم خطيئة ، فمن أعلن عليها بفعل ، أو كلام ، أو عرض ، أو أعجبه ذلك ، أو رضى ربه ، فهو شريك في تلك الخطيئة على قدر ما كان بينهم ، والذي تولى كبره ، يعنى الذي ولى الخطيئة بنفسه ، فهو أعظم إثما عند الله ، عز وجل وهو المأخوذ به ، قال : فإذا كانت خطيئة بين المسلمين فمن شهد وكره ، فهو مثل الغائب ، ومن غاب ورضى فهو كمن شهد .