المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (42)

42 - يوم يشتد الأمر ويصعب ، ويُدْعَى الكفار إلى السجود - تعجيزاً وتوبيخاً - فلا يستطيعون ، منكسرة أبصارهم تغشاهم ذلة مرهقة ، وقد كانوا يُدعوْن في الدنيا إلى السجود وهم قادرون فلا يسجدون .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (42)

{ 42 - 43 } { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ }

أي : إذا كان يوم القيامة ، وانكشف فيه من القلاقل [ والزلازل ] والأهوال ما لا يدخل تحت الوهم ، وأتى الباري لفصل القضاء بين عباده ومجازاتهم فكشف عن ساقه الكريمة التي لا يشبهها شيء ، ورأى الخلائق من جلال الله وعظمته ما لا يمكن التعبير عنه ، فحينئذ يدعون إلى السجود لله ، فيسجد المؤمنون الذين كانوا يسجدون لله ، طوعًا واختيارًا ، ويذهب الفجار المنافقون ليسجدوا فلا يقدرون على السجود ، وتكون ظهورهم كصياصي البقر ، لا يستطيعون الانحناء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (42)

لما ذكر تعالى أن للمتقين عنده{[29201]} جنات النعيم ، بين متى ذلك كائن وواقع ، فقال : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ } يعني : يوم القيامة وما يكون فيه من الأهوال والزلازل والبلاء والامتحان والأمور العظام . وقد قال البخاري هاهنا :

حدثنا آدم ، حدثنا الليث ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يَسَار ، عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " يَكشِفُ رَبّنا عن ساقه ، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة ، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طَبَقًا واحدًا " {[29202]} .

وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وفي غيرهما من طرق{[29203]} وله ألفاظ ، وهو حديث طويل مشهور .

وقد قال عبد الله بن المبارك ، عن أسامة بن زيد ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ }

قال : هو يوم كَرْب وشدة . رواه ابن جرير ثم قال :

حدثنا ابن حميد ، حدثنا مِهْران ، عن سفيان ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، عن ابن مسعود - أو : ابن عباس ، الشك من ابن جرير - : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ } قال : عن أمر عظيم ، كقول الشاعر :

وقامت الحرب بنا عن ساق{[29204]}

وقال ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ } قال : شدة الأمر{[29205]}

وقال ابن عباس : هي أول{[29206]} ساعة تكون في يوم القيامة .

وقال ابن جُرَيح ، عن مجاهد : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ } قال : شدة الأمر وجده .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ } هو الأمر الشديد المُفظِع من الهول يوم القيامة .

وقال العوفي ، عن ابن عباس قوله : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ } يقول : حين يكشف الأمر وتبدو الأعمال . وكشفه دخول الآخرة ، وكشف الأمر عنه . وكذا روى الضحاك وغيره عن ابن عباس . أورد ذلك كله أبو جعفر بن جرير ثم قال :

حدثني أبو زيد عمر بن شَبَّة ، حدثنا هارون بن عمر المخزومي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا أبو سعيد روح بن جناح ، عن مولى لعمر بن عبد العزيز ، عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ } قال : " عن نور عظيم ، يخرون له سجدًا " .

ورواه أبو يعلى ، عن القاسم بن يحيى ، عن الوليد بن مسلم ، به{[29207]} وفيه رجل مبهم{[29208]} والله أعلم .


[29201]:- (1) في م: "عند ربهم".
[29202]:- (2) صحيح البخاري برقم (4919).
[29203]:- (3) وهو حديث الشفاعة وقد سبق سياقه بطريقه وألفاظه عند تفسير أول سورة الإسراء.
[29204]:- (1) البيت في تفسير الطبري (29/24).
[29205]:- (2) في أ: "الأمر وجده".
[29206]:- (3) في م: "هي أشد".
[29207]:- (4) تفسير الطبري (29/27) ومسند أبي يعلى (13/269).تنبيه: ظن بعض الناس أن الحافظ ابن كثير سلك هنا مسلك التأويل لصفة الساق، وهذا فهم خاطئ ؛ وذلك لأن الحافظ ابن كثير فسر هذه الآية بحديث أبي سعيد، رضي الله عنه، ثم ذكر ما قيل في هذه الآية، وقد تكلم الإمام ابن القيم عن هذه الآية كلامًا بديعًا قال، رحمه الله، في الصواعق المرسلة (1/252، 253): "والصحابة متنازعون في تفسير هذه الآية: هل المراد الكشف عن الشدة؟ أو المراد بها أن الرب تعالى يكشف عن ساقه؟ ولا يحفظ عن الصحابة والتابعين نزاع فيها يذكر أنه من الصفات أم لا في غير هذا الموضوع، وليس في ظاهر القرآن ما يدل على أن ذلك صفة لله؛ لأنه سبحانه لم يضف الساق إليه، وإنما ذكره مجردًا عن الإضافة منكرًا، والذين أثبتوا ذلك صفة كاليدين والأصبع لم يأخذ ذلك من ظاهر القرآن، وإنما أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته، وهو حديث الشفاعة الطويل وفيه: "فيكشف الرب عن ساقه فيخرون له سجدًا". ومن حمل الآية على ذلك قال: قوله تعالى: "يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود" القلم: 42: مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم: "فيكشف عن ساقه فيخرون له سجدًا". وتنكيره للتعظيم والتفخيم كأنه قال: يكشف عن ساق عظيمة، جلت عظمتها وتعالى شأنها أن يكون لها نظير أو مثل أو شبيه، قالوا: وحمل الآية على الشدة لا يصح بوجه؛ فإن لغة القوم في مثل ذلك أن يقال: كشفت الشدة عن القوم لا كشف عنها كما قال تعالى: "فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون" الزخرف: 50، وقال "ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر" المؤمنون: 75، فالعذاب والشدة هو المكشوف لا المكشوف عنه، وأيضًا فهناك تحدث الشدة وتشتد، ولا تزال إلا بدخول الجنة، وهناك لا يدعون إلى السجود، وإنما يدعون إليه أشد ما كانت الشدة" انتهى نقلا عن التحذير من مختصرات الصابوني، وانظر: عقيدة الحافظ ابن كثير للشيخ عبد الآخر الغنيمي (ص48، 49) والتحذير للشيخ بكر أبو زيد (ص350 - 353).
[29208]:- (5) في أ: "رجل متهم".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (42)

وقوله تعالى : { يوم يكشف عن ساق } ، قال مجاهد : هي أول ساعة من يوم القيامة ، وهي أفظعها ، وتظاهر حديث من النبي صلى الله عليه وسلم : «أنه ينادي مناد يوم القيامة ليتبع كل أحد ما كان يعبد » ، قال : «فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر القمر ، وكذلك كل عابد لكل معبود ثم تبقى هذه الأمة وغبرات أهل الكتاب{[11257]} ، معهم منافقوهم وكثير من الكفرة ، فيقال لهم : ما شأنكم لم تقفون ، وقد ذهب الناس فيقولون ننتظر ربنا فيجيئهم الله تعالى في غير الصورة التي عرفوه بها ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : نعوذ بالله منك ، قال فيقول : أتعرفونه بعلامة ترونها فيقولون : نعم ، فيكشف لهم عن ساق ، فيقولون : نعم أنت ربنا ، ويخرون للسجود فيسجد كل مؤمن وتصير أصلاب المنافقين والكفار كصياصي البقر عظماً واحداً ، فلا يستطيعون سجوداً »{[11258]} .

قال القاضي أبو محمد : هكذا هو الحديث وإن اختلفت منه ألفاظ بزيادة ونقصان ، وعلى كل وجه فما ذكر فيه من كشف الساق وما في الآية من ذلك ، فإنما هو عبارة عن شدة الهول وعظم القدرة التي يرى الله تعالى ذلك اليوم حتى يقع العلم أن تلك القدرة إنما هي لله تعالى وحده ، ومن هذا المعنى قول الشاعر في صفة الحرب [ جد طرفة ] : [ مجزوء الكامل ]

كشفت لهم عن ساقها . . . وبدا عن الشر البراح{[11259]}

ومنه قول الراجز : [ الرجز ]

وشمرت عن ساقها فشدوا . . . {[11260]}

وقول الآخر : [ الرجز ]

في سنة قد كشفت عن ساقها . . . حمراء تبري اللحم عن عراقها{[11261]}

وأصل ذلك أنه من أراد الجد في أمر يحاوله فإنه يكشف عن ساقه تشميراً وجداً ، وقد مدح الشعراء بهذا المعنى فمنه قول دريد : [ الطويل ]

كميش الإزار خارج نصف ساقه . . . صبور على الضراء طلاع أنجدِ{[11262]}

وعلى هذا من إرادة الجد والتشمير في طاعة الله تعالى ، قال صلى الله عليه وسلم : «أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه »{[11263]} . وقرأ جمهور الناس : «يُكشَف عن ساق » بضم الياء على بناء الفعل للمفعول ، وقرأ ابن مسعود : «يَكشِف » بفتح الياء وكسر الشين على معنى يكشف الله ، وقرأ ابن عباس : «تُكشف » بضم التاء على معنى تكشف القيامة والشدة والحال الحاضرة ، وقرأ ابن عباس أيضاً : «تَكشف » بفتح التاء على أن القيامة هي الكاشفة ، وحكى الأخفش عنه أنه قرأ : «نَكشِف » بالنون مفتوحة وكسر الشين ، ورويت عن ابن مسعود . وقوله تعالى : { ويدعون } ظاهره أن ثم دعاء إلى السجود ، وهذا يرده ما قد تقرر في الشرع من أن الآخرة ليست بدار عمل وأنها لا تكليف فيها ، فإذا كان هذا فإنما الداعي ما يرونه من سجود المؤمنين فيريدون هم أن يسجدوا عند ذلك فلا يستطيعونه . وقد ذهب بعض العلماء إلى أنهم يدعون إلى السجود على جهة التوبيخ ، وخرج بعض الناس من قوله : { فلا يستطيعون } أنهم كانوا يستطيعونه قبل ذلك ، وذلك غير لازم . وعقيدة الأشعري : أن الاستطاعة إنما تكون مع التلبس بالفعل لما قبله ، وهذا القدر كاف من هذه المسألة هاهنا .


[11257]:غبر كل شيء: بقيته وآخره، والجمع غبرات.
[11258]:أخرجه البخاري في التوحيد، وفي تفسير سورة ن، ومسلم في الإيمان، وأبو داود في الرقاق، وابن جرير في تفسيره، وأحمد في مسنده (3/17)، وزاد السيوطي في "الدر المنثور" نسبته إلى ابن المنذر وابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، وهو حديث طويل ذكره المؤلف مختصرا- والصياصي: جمع صيصة وهي قرن البقر ونحوه.
[11259]:البيت لجد طرفة، وهو في اللسان، ومعاني القرآن، والقرطبي، والبحر المحيط، وديوان الحماسة، والخصائص، والمحتسب، وجد طرفة هذا اسمه سعد بن مالك، ورواية الفراء في معاني القرآن كما هنا: (البراح)، ولكن في اللسان والقرطبي: (وبدا من الشر الصراح). قال في اللسان: "الساق في اللغة: الأمر الشديد، وكشفه مثل في شدة الأمر، كما يقال للشحيح: "يده مغلولة"، ولا يد ثم ولا غل، وإنما هو مثل في شدة البخل، وكذلك هذا، لا ساق هنا ولا كشف، وأصله أن الإنسان إذا وقع في أمر شديد يقال: شمر عن ساعده وكشف عن ساقه، للاهتمام بذلك الأمر العظيم" ، ثم نقل عن ابن سيدة أن هذا لا يدفع أن الساق إذا أريدت بها الشدة فإنما هي مشبهة بالساق هذه التي تعلو القدم، وأنه إنما قيل ذلك لأن الساق هي الحاملة للجملة، المنهضة لها، فذكرت هنا تشبيها وتشنيعا. هذا والبراح: البين الواضح، والصراح: الخالص الواضح.
[11260]:هذا بيت من الرجز وبعده يقول الراجز: ....................... وجدت الحرب بكم فجدوا وتشمير الإزار والثوب: رفعه، وشمر عن ساقه: خف وجد في الأمر أو أراده وتهيأ له، والشدة: الصلابة، وهي ضد اللين، والمراد هنا: كونوا أقوياء، ومن ذلك قوله تعالى: (اشدد به أزري)، وقوله: (فشدوا الوثاق) والجد: الاجتهاد، وجد به الأمر: اشتد ، فالمعنى: اشتدت الحرب فاجتهدوا فيها.
[11261]:هذا الرجز في اللسان، وأساس البلاغة، والقرطبي، والبحر المحيط، ولم ينسبه أحد منهم، وقبله يقول الشاعر: عجبت من نفسي ومن إشفاقها ومن طرادي الطير عن أرزاقها والشاهد في قوله: "قد كشفت عن ساقها"، والعراق- بضم العين- : العظم بغير لحم، فإن كان عليه لحم فهو عرق بالفتح، فالمعنى: تبري اللحم عن العظم.
[11262]:هذا البيت لدريد بن الصمة، وهو في اللسان/ والشعر والشعراء، والكامل ، والأصمعيات (الأصمعية 28)، وقد قال دريد هذه القصيدة في رثاء أخيه عبد الله، والخبر في العقد الفريد، وفي ديوان المعاني، وكميش الإزار: فعيل بمعنى مفعول، وهو من قولهم: كمش ذيله بمعنى : قلصه، وفي اللسان: "رجل كميش الإزار: مشمره"، ويؤيد هذا المعنى وصفه بعد ذلك بخروج نصف ساقه من الثياب، و "صبور على الأعداء" معناها أنه صبور في الحرب لا يسلم بسهولة ولا يفر، بل يبقى في المعركة مهما طال وقتها حتى ينتصر، ويروى بدلا من "الأعداء": "العزاء" وهي الشدة و "طلاع أنجد": ركاب لصعاب الأمور، أو المتطلع للأمور السامية، والأنجد: جمع نجد، وهو ما ارتفع وغلظ من الأرض، أو هو الطريق في الجبل.
[11263]:أخرجه أبو داود، ومالك في "اللباس" وأحمد في مسنده (3/5، 6/31) ولفظه كما في مسند أحمد: عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، أنه سمع أبا سعيد سئل عن الإزار فقال: على الخبير سقطت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إزرة المؤمن إلى أنصاف الساقين ، لا جناح أو لا حرج عليه فيما بينه وبين الكعبين، ما كان أسفل من ذلك فهو في النار، لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرا). والإزرة بالكسر: الحالة وهيئة الائتزار، وهذا مثل الركبة والجلسة.