المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ} (51)

51- إنا لننصر رسلنا والمؤمنين في الحياة الدنيا بالانتقام من أعدائهم ، وإقامة الحُجة عليهم ، وفي يوم القيامة يوم يقوم الشهود يشهدون للرسل بالتبليغ ، ويشهدون على الكفرة بالتكذيب .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ} (51)

{ 51 - 52 } { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ }

لما ذكر عقوبة آل فرعون في الدنيا ، والبرزخ ، ويوم القيامة ، وذكر حالة أهل النار الفظيعة ، الذين نابذوا رسله وحاربوهم ، قال : { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } أي : بالحجة والبرهان والنصر ، في الآخرة بالحكم لهم ولأتباعهم بالثواب ، ولمن حاربهم بشدة العقاب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ} (51)

21

عند هذا الموقف الحاسم يجيء التعقيب الأخير على الحلقة كلها ، وعلى ما تقدمها من الإشارة إلى الأحزاب التي تعرضت لبأس الله ، بعد التكذيب والاستكبار .

( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ، ويوم يقوم الأشهاد . يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار . ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب هدى وذكرى لأولي الألباب . فاصبر إن وعد الله حق . واستغفر لذنبك ، وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار ) . .

هذا التعقيب الجازم ، يناسب ذلك الموقف الحاسم . ولقد اطلعت منه البشرية على مثل من نهاية الحق والباطل . نهايتهما في هذه الأرض ونهايتهما كذلك في الآخرة . ورأت كيف كان مصير فرعون وملئه في الحياة الدنيا ، كما رأوهم يتحاجون في النار ، وينتهون إلى إهمال وصغار . وذلك هو الشأن في كل قضية كما يقرر القرآن :

( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد . يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ) . .

فأما في الآخرة فقد لا يجادل أحد من المؤمنين بالآخرة في هذه النهاية . ولا يجد ما يدعوه إلى المجادلة . وأما النصر في الحياة الدنيا فقد يكون في حاجة إلى جلاء وبيان .

إن وعد الله قاطع جازم : ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا . . ) . . بينما يشاهد الناس أن الرسل منهم من يقتل ومنهم من يهاجر من أرضه وقومه مكذباً مطروداً ، وأن المؤمنين فيهم من يسام العذاب ، وفيهم من يلقى في الأخدود ، وفيهم من يستشهد ، وفيهم من يعيش في كرب وشدة واضطهاد . . فأين وعد الله لهم بالنصر في الحياة الدنيا ? ويدخل الشيطان إلى النفوس من هذا المدخل ، ويفعل بها الأفاعيل !

ولكن الناس يقيسون بظواهر الأمور . ويغفلون عن قيم كثيرة وحقائق كثيرة في التقدير .

إن الناس يقيسون بفترة قصيرة من الزمان ، وحيز محدود من المكان . وهي مقاييس بشرية صغيرة . فأما المقياس الشامل فيعرض القضية في الرقعة الفسيحة من الزمان والمكان ، ولا يضع الحدود بين عصر وعصرولا بين مكان ومكان . ولو نظرنا إلى قضية الاعتقاد والإيمان في هذا المجال لرأيناها تنتصر من غير شك . وانتصار قضية الاعتقاد هو انتصار أصحابها . فليس لأصحاب هذه القضية وجود ذاتي خارج وجودها . وأول ما يطلبه منهم الإيمان أن يفنوا فيها ويختفوا هم ويبرزوها !

والناس كذلك يقصرون معنى النصر على صور معينة معهودة لهم ، قريبة الرؤية لأعينهم . ولكن صور النصر شتى وقد يتلبس بعضها بصور الهزيمة عند النظرة القصيرة . . إبراهيم عليه السلام وهو يلقى في النار فلا يرجع عن عقيدته ولا عن الدعوة إليها . . أكان في موقف نصر أم في موقف هزيمة ? ما من شك - في منطق العقيدة - أنه كان في قمة النصر وهو يلقى في النار . كما أنه انتصر مرة أخرى وهو ينجو من النار . هذه صورة وتلك صورة . وهما في الظاهر بعيد من بعيد . فأما في الحقيقة فهما قريب من قريب ! . . والحسين - رضوان الله عليه - وهو يستشهد في تلك الصورة العظيمة من جانب ، المفجعة من جانب ? أكانت هذه نصراً أم هزيمة ? في الصورة الظاهرة وبالمقياس الصغير كانت هزيمة . فأما في الحقيقة الخالصة وبالمقياس الكبير فقد كانت نصراً . فما من شهيد في الأرض تهتز له الجوانح بالحب والعطف ، وتهفو له القلوب وتجيش بالغيرة والفداء كالحسين رضوان الله عليه . يستوي في هذا المتشيعون وغير المتشيعين . من المسلمين . وكثير من غير المسلمين !

وكم من شهيد ما كان يملك أن ينصر عقيدته ودعوته ولو عاش ألف عام ، كما نصرها باستشهاده . وما كان يملك أن يودع القلوب من المعاني الكبيرة ، ويحفز الألوف إلى الأعمال الكبيرة ، بخطبة مثل خطبته الأخيرة التي يكتبها بدمه ، فتبقى حافزاً محركاً للأبناء والأحفاد . وربما كانت حافزاً محركاً لخطى التاريخ كله مدى أجيال . .

ما النصر ? وما الهزيمة ? إننا في حاجة إلى أن نراجع ما استقر في تقديرنا من الصور . ومن القيم . قبل أن نسأل : أين وعد الله لرسله وللمؤمنين بالنصر في الحياة الدنيا !

على أن هناك حالات كثيرة يتم فيها النصر في صورته الظاهرة القريبة . ذلك حين تتصل هذه الصورة الظاهرة القريبة بصورة باقية ثابتة . لقد انتصر محمد [ صلى الله عليه وسلم ] في حياته . لأن هذا النصر يرتبط بمعنى إقامة هذه العقيدة بحقيقتها الكاملة في الأرض . فهذه العقيدة لا يتم تمامها إلا بأن تهيمن على حياة الجماعة البشرية وتصرفها جميعاً . من القلب المفرد إلى الدولة الحاكمة . فشاء الله أن ينتصر صاحب هذه العقيدة في حياته ، ليحقق هذه العقيدة في صورتها الكاملة ، ويترك هذه الحقيقة مقررة في واقعة تاريخية محددة مشهودة . ومن ثم اتصلت صورة النصر القريبة بصورة أخرى بعيدة ، واتحدت الصورة الظاهرة مع الصورة الحقيقية . وفق تقدير الله وترتيبه .

وهنالك اعتبار آخر تحسن مراعاته كذلك . إن وعد الله قائم لرسله وللذين آمنوا . ولا بد أن توجد حقيقة الإيمان في القلوب التي ينطبق هذا الوعد عليها . وحقيقة الإيمان كثيراً ما يتجوز الناس فيها . وهي لا توجد إلا حين يخلو القلب من الشرك في كل صوره وأشكاله . وإن هنالك لأشكالاً من الشرك خفية ؛ لا يخلص منها القلب إلا حين يتجه لله وحده ، ويتوكل عليه وحده ، ويطمئن إلى قضاء الله فيه ، وقدره عليه ، ويحس أن الله وحده هو الذي يصرفه فلا خيرة له إلا ما اختار الله . ويتلقى هذا بالطمأنينة والثقة والرضى والقبول . وحين يصل إلى هذه الدرجة فلن يقدم بين يدي الله ، ولن يقترح عليه صورة معينة من صور النصر أو صور الخير . فسيكل هذا كله لله . ويلتزم . ويتلقى كل ما يصيبه على أنه الخير . . وذلك معنى من معاني النصر . . النصر على

الذات والشهوات . وهو النصر الداخلي الذي لا يتم نصر خارجي بدونه بحال من الأحوال .

( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد . يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ) .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ} (51)

أخبر الله تعالى أنه ينصر رسله والمؤمنين في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، قال بعض المفسرين : وهذا خاص فيما أظهره الله على أمته كنوح وموسى ومحمد وليس بعام ، لأنا نجد من الأنبياء من قتله قومه كيحيى ولم ينصر عليهم ، وقال السدي : الخبر عام على وجهه ، وذلك أن نصرة الرسل واقعة ولا بد ، إما في حياة الرسول المنصور كنوح وموسى ، وإما فيما يأتي من الزمان بعد موته ، ألا ترى إلى ما صنع الله ببني إسرائيل بعد قتلهم يحيى من تسليط بختنصر عليهم حتى انتصر ليحيى ، ونصر المؤمنين داخل في نصر الرسل ، وأيضاً فقد جعل الله للؤمنين الفضلاء وداً ووهبهم نصراً إذ ظلموا وحضت الشريعة على نصرهم ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : «من رد عن أخيه المسلم في عرضه ، كان حقاً على الله أن يرد عنه نار جهنم »{[10012]} ، وقوله عليه السلام : «من حمى مؤمناً من منافق يغتابه ، بعث الله ملكاً يحميه يوم القيامة »{[10013]} .

وقوله تعالى : { ويوم يقوم الأشهاد } يريد يوم القيامة .

وقرأ الأعرج وأبو عمرو بخلاف «تقوم » بالتاء . وقرأ نافع وأبو جعفر وشيبة : «يقوم » بالياء . و { الأشهاد } : جمع شاهد ، كصاحب وأصحاب . وقالت فرقة : أشهاد : جمع شهيد ، كشريف وأشراف .


[10012]:أخرجه أحمد، والترمذي وحسنه، وابن أبي الدنيا في ذم الغيبة، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، وفي آخره كما ذكره الإمام السيوطي في الدر المنثور: (ثم تلا: {إنا لننصر رسلنا} الآية)، وفي القرطبي أن هذا الخبر عن أبي الدرداء، وأن بعض المحدثين يقول إنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[10013]:أخرجه الإمام أحمد في مسنده (3 – 441)، وأبو داود في الأدب، ولفظه كما في مسند أحمد، عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حمى مؤمنا من منافق يعيبه بعث الله تبارك وتعالى ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن بغى مؤمنا بشيء يريد شينه حبسه الله تعالى على جسر جهنم حتى يخرج مما قال).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ} (51)

كلام مستأنف وهو استخلاص للعبرة من القصص الماضية مسوق لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم ووعده بحسن العاقبة ، وتسلية المؤمنين ووعدهم بالنصر وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة . وذلك أن الكلام من ابتداء السورة كان بذكر مجادلة المشركين في القرآن بقوله تعالى : { ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا } [ غافر : 4 ] وأومأ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأن شِيَعهم آيلة إلى خسار بقوله : { فلا يغررك تقلبهم في البلاد } [ غافر : 4 ] ، وامتد الكلام في الرد على المجادلين وتمثيل حالهم بحال أمثالهم من الأمم التي آل أمرها إلى خيبة واضمحلال في الدنيا وإلى عذاب دائم في الآخرة ولما استوفى الغرضُ مقتضاه من اطناب البيان بَيّن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم عَقِبَه أنه ينصر رسله وَالذين آمنوا في الدنيا كما دل عليه قوله في آخر الكلام { فاصبر إن وعد الله حق } [ غافر : 77 ] .

وقد عُلم من فعل النصر أن هنالك فريقاً منصوراً عليهم الرسلُ والمؤمنون في الدنيا والآخرة ، ومن المتعين أنهم الفريقُ المعاند للرسل وللمُؤمنين ، فنصر الرسل والمؤمنين عليهم في الدنيا بإظهارهم عليهم وإبادتهم ، وفي الآخرة بنعيم الجنة لهم وعذاب النار لأعدائهم .

والتعبير بالمضارع في قوله : { لننصر } لما فيه من استحضار حالات النصر العجيبة التي وُصفَ بعضها في هذه السورة ووصف بعضٌ آخر في سُور أخرى تقدم نزولها ، وإلا فإن نصر الرسل الذين سبقوا محمداً صلى الله عليه وسلم قد مضى ونصْرُ محمد صلى الله عليه وسلم مترقّب غير حاصل حين نزول الآية . وتأكيد الخبر ب ( إنَّ ) وبجَعْل المسند فعلياً في قوله : { لننصر } مراعًى فيه حال المعرَّض بهم بأن الله ينصر رسله عليهم وهم المشركون لأنهم كانوا يكذبون بذلك .

وهذا وعْد للمؤمنين بأن الله ناصرهم على من ظلمهم في الحياة الدنيا بأن يوقع الظالم في سوء عاقبة أو بأن يسلط عليه من ينتقم منه بنحوٍ أو أشدَّ مما ظلَم به مؤمناً .

والأشهاد : جمع شَاهد . والقيام : الوقوف في الموقف . والأشهاد : الرسل ، والملائكة الحفَظةُ والمؤمنون من هذه الأمة ، كما أشار إليه قوله : { لتكونوا شهداء على الناس } [ البقرة : 143 ] ، وذلك اليوم هو يوم الحشر ، وشهادة الرسل على الذين كفروا بهم من جملة نصرهم عليهم وكذلك شهادة المؤمنين .