الآية 51 وقوله تعالى : { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } يحتمل ما ذكر من النصر للرسل والمؤمنين وجوها :
أحدها : أن ينصرهم في الدنيا بالحجج والآيات التي أعطاهم في الدين حتى يدفعوا{[18306]} بها تسويلات الشيطان وتمويهات السحرة وتقلُّبَهم{[18307]} ، ويعلوا على الكل . هذا في الدنيا ، وفي الآخرة أيضا ينصرهم بما تشهد لهم عليهم الملائكة والجوارح بالتكذيب للرسل والمؤمنين وأنهم دعوهم إلى التوحيد والإيمان لكنهم كذّبوهم ، وكفروا بما دعوهم إليه . فذلك نصره إياهم في الدنيا والآخرة ، والله أعلم .
والثاني : ينصرهم بما يجعل لهم العواقب وآخر الأمر له ، وإن كان في الابتداء قد يكون عليهم . وعلى ذلك لم يُذكر عن أحد من الرسل إلا وقد كانت عاقبة الأمر له ، وهو كقوله تعالى : { والعاقبة للمتقين } [ الأعراف : 128 ] فهذا النصر ، هو النصر في الأبدان ، والأول ، هو نصر في الدين . ولكن إن كان هو نصرا في الأبدان فهو نصر ، يرجع إلى الدين لما يقوم الدين بسلامة الأبدان ، ويتحقق به عن المسلمين ، والله الموفّق .
والثالث : ذكر نصرهم لما أعطاهم من النعمة في الدنيا والسعة فيها ، وهو يذكر للرسل والمؤمنين نصرا ونعمة ومعونة .
أما هي للكفرة ففتنة ومحنة ، لا غير ، لا يُذكر باسم النصر والنعمة ؛ إذ هي في حق المسلمين وسبيله إلى النعمة الأبدية ، وفي حق الكفرة إلى العذاب الأبد ، فيكون نِقمة في حقهم حقيقة .
ولذلك قال تعالى : { الم } { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ } [ العنكبوت : 1 و2 ] وقال : { بل هي فتنة } [ الزمر : 49 ] ومحنة لهم ، والله أعلم .
فإن قيل : ذكر أنه ينصرهم ، وقد نرى مؤمنا ، قد تنقطع حُجَجه ، ويعجز عن إقامتها ، ونراه مغلوبا ، والكافر هو الغالب ، قيل عن هذا جوابان{[18308]} :
أحدهما : من جعل العاقبة له والغلبة والنصر في آخر الأمر .
والثاني : جائز أن يكون وعده بالنصر لهم والظفر بالحجة بالشريطة ، وهي القيام بوفاء ما لله عليهم من الحق في ذلك . فالنصر والظفر بالحجة في المناظرة أن يكون يُرجَى عمره في معرفة الحجج والدلائل ، وأن يكون عارفا بطرق النظر ، ومتى كان هذا الشرط موجودا فيكون النصر له لا محالة .
وشرط الظّفر في المحاربة أن يكونوا قاصدين إعزازا دين الله تعالى دون ابتغاء الدنيا ، وكلمتهم واحدة ، ونحوه .
ومتى كانت المحاربة بشرائطها يكون الظفر للمسلمين . وذلك كقوله تعالى : { وأوفوا بعهدي أوفِ بعهدكم } [ البقرة : 40 ] والله أعلم .
وقوله تعالى : { وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } قال بعضهم : الأشهاد ، هم الملائكة ، يكتبون أعمال بني آدم ، يشهدون عليهم بما عملوا من الأعمال . وقال بعضهم : الأشهاد هم الرسل ، يشهدون عند رب العالمين على الكفرة بالتكذيب والرّد . وقال بعضهم : تشهد عليهم الجوارح يومئذ بما كان منهم ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.