{ 69 - 83 } { وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى }
إلى آخر القصة{[433]} أي : { وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا } من الملائكة الكرام ، رسولنا { إِبْرَاهِيمَ } الخليل { بِالْبُشْرَى } أي : بالبشارة بالولد ، حين أرسلهم الله لإهلاك قوم لوط ، وأمرهم أن يمروا على إبراهيم ، فيبشروه بإسحاق ، فلما دخلوا عليه { قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ } أي : سلموا عليه ، ورد عليهم السلام .
ففي هذا مشروعية السلام ، وأنه لم يزل من ملة إبراهيم عليه السلام ، وأن السلام قبل الكلام ، وأنه ينبغي أن يكون الرد ، أبلغ من الابتداء ، لأن سلامهم بالجملة الفعلية ، الدالة على التجدد ، ورده بالجملة الاسمية ، الدالة على الثبوت والاستمرار ، وبينهما فرق كبير كما هو معلوم في علم العربية .
{ فَمَا لَبِثَ } إبراهيم لما دخلوا عليه { أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } أي : بادر لبيته ، فاستحضر لأضيافه عجلا مشويا على الرضف سمينا ، فقربه إليهم فقال : ألا تأكلون ؟ .
( ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ) . .
ولا يفصح السياق عن هذه البشرى إلا في موعدها المناسب بحضور امرأة إبراهيم ! والرسل : الملائكة . وهم هنا مجهولون ، فلا ندخل - مع المفسرين - في تعريفهم وتحديد من هم بلا دليل .
( قالوا : سلاما . قال : سلام ) . .
وكان إبراهيم قد هاجر من أرض الكلدانيين مسقط رأسه في العراق ، وعبر الأردن ، وسكن في أرض كنعان في البادية - وعلى عادة البدو في إكرام الأضياف راح إبراهيم يحضر لهم الطعام وقد ظنهم ضيوفا - :
«الرسل » الملائكة وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل . وقالت فرقة : بدل إسرافيل عزرائيل - ملك الموت - وروي أن جبريل منهم كان مختصاً بإهلاك قرية لوط ، وميكائيل مختصاً بتبشير إبراهيم بإسحاق . وإسرافيل مختصاً بإنجاء لوط ومن معه .
قال القاضي أبو محمد : وهذه الآية تقضي باشتراكهم في البشارة بإسحاق وقالت فرقة - وهي الأكثر - «البشرى » هي بإسحاق . وقالت فرقة : «البشرى » هي بإهلاك قوم لوط .
وقوله : { سلاماً } نصب على المصدر ، والعامل فيه فعل مضمر من لفظة كأنه قال : أسلم سلاماً ، ويصح أن يكون : { سلاماً } حكاية لمعنى ما قالوه لا للفظهم - قاله مجاهد والسدي - فلذلك عمل فيه القول ، كما تقول - الرجل قال : لا إله إلاَّ الله - قلت حقاً أو إخلاصاً ؛ ولو حكيت لفظهم لم يصح أن تعمل فيه القول وقوله : { قال : سلام } حكاية للفظه ، و { سلام } مرتفع إما على الابتداء ، والخبر محذوف تقديره عليكم ، وإما على خبر ابتداء محذوف تقديره أمري سلام ، وهذا كقوله : { فصبر جميل }{[6416]} إما على تقدير فأمري صبر جميل ، وإما على تقدير : فصبر جميل أجمل{[6417]} .
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم : «قالوا : سلاماً قال : سلاَم » وقرأ حمزة والكسائي : «قالوا سلاماً ، قال : سلم » وكذلك اختلافهم في سورة الذاريات{[6418]} . وذلك على وجهين : يحتمل أن يريد به السلام بعينه ، كما قالوا حل وحلال وحرم وحرام ومن ذلك قول الشاعر : [ الطويل ]
مررنا فقلنا ابه سلم فسلمت*** كما اكتلّ بالبرق الغمام اللوائح{[6419]}
اكتلّ : اتخذ إكليلاً أو نحو هذا قال الطبري وروي : كما انكلّ - ويحتمل أن يريد ب «السلم » ضد الحرب ، تقول نحن سلم لكم .
وكان سلام الملائكة دعاء مرجواً - فلذلك نصب - وحيي الخليل بأحسن مما حيي وهو الثابت المتقرر ولذلك جاء مرفوعاً{[6420]} .
وقوله : { فما لبث أن جاء } يصح أن تكون { ما } نافية ، وفي { لبث } ضمير إبراهيم وإن جاء في موضع نصب أي بأن جاء ، ويصح أن تكون { ما } نافية وإن جاء بتأويل المصدر في موضع رفع ب { لبث } أي ما لبث مجيئه ، وليس في { لبث } على هذا ضمير إبراهيم ، ويصح أن يكون { ما } بمعنى الذي وفي { لبث } ضمير إبراهيم - وإن جاء خبر { ما } أي فلبث إبراهيم مجيئه بعجل حنيذ{[6421]} ، وفي أدب الضيف أن يجعل قراه من هذه الآية .
و «الحنيذ » بمعنى المحنوذ ومعناه بعجل مشوي نضج يقطر ماؤه ، وهذا القطر يفصل الحنيذ من جملة المشويات ، ولكن هيئة المحنوذ في اللغة الذي يغطى بحجارة أو رمل محمي أو حائل بينه وبين النار يغطى به والمعرض{[6422]} من الشواء الذي يصفف على الجمر ؛ والمهضب{[6423]} : الشواء الذي بينه وبين النار حائل ، يكون الشواء عليه لا مدفوناً له ، والتحنيذ في تضمير الخيل هو أن يغطى الفرس بجل على جل{[6424]} لينتصب عرقه .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره:"وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا" من الملائكة... "إبْرَاهِيم "يعني إبراهيم خليل الله "بالبُشْرَى" يعني: بالبشارة. واختلفوا في تلك البشارة التي أتوه بها؛ فقال بعضهم: هي البشارة بإسحاق. وقال بعضهم: هي البشارة بهلاك قوم لوط. "قالُوا سَلاما" يقول: فسلموا عليه سلاما، ونصب «سلاما» بإعمال «قالوا» فيه، كأنه قيل: قالوا قولاً وسلّموا تسليما.
"قالَ سَلامٌ" يقول: قال إبراهيم لهم: سلام. فرفع «سلام»، بمعنى عليكم السلام، أو بمعنى سلام منكم...
وقوله: "فَمَا لَبثَ أنْ جاءَ بعجْلٍ حَنيذٍ" وأصله محنوذ، صرف من مفعول إلى فَعيل.
وقد اختلف أهل العربية في معناه؛ فقال بعض أهل البصرة منهم: معنى المحنوذ: المشويّ، قال: ويقال منه: حنذت فرسي، بمعنى سَخّنته وعَرّقته...
وقال آخر منهم: حَنَذ فرسه: أي أضمره، وقال: قالوا حَنَذهَ يحْنِذهُ حنذا: أي عرّقه. وقال بعض أهل الكوفة: كل ما انشوى في الأرض إذا خددت له فيه فدفنته وغممته فهو الحنيذ والمحنوذ...
عن ابن عباس، قوله: "بعِجْلٍ حَنِيذٍ" يقول: نضيج...
عن مجاهد: "بِعِجْلٍ حَنِيذ" قال:... والحنيذ: المشويّ النضيج... أنضج بالحجارة...
عن شمر... قال: الحنيذ: الذي يقطر ماء وقد شُويِ... وهذه الأقوال التي ذكرناها عن أهل العربية وأهل التفسير متقاربات المعاني بعضها من بعض...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
(قالوا سلاما قال سلام) هذا يدل أن السلام هو سنة الأنبياء والرسل والملائكة في الدنيا والآخرة، لم تخص هذه الأمة، بل كانت سنة الرسل الماضية والأمم السالفة. هو تحية أهل الجنة كقوله: (سلام عليكم طبتم) [الزمر: 73] ونحوه...
(فما لبث أن جاء بعجل حنيذ) وقوله: (فما لبث أن جاء) أي ما لبث عندهم حتى اشتغل بتقديم شيء إليهم، وإلا قد يكون في ذبح العجل وشويه لبث إلا أن يكون العجل مشويا. فإن لم يكن مشويا فتأويله ما ذكرنا أن لم يلبث عندهم في المؤانسة والحديث معهم على ما يفعل مع الأضياف حتى جاء بما ذكر. وفيه ما ذكرنا من الأدب، وفيه دلالة في من نزل به ضيف ألا يشتغل بالسؤال عن أحوال ضيفه: من أين؟ وإلى أين؟ وما حاجتهم؟ ولكن يشتغل بقراهم وإزاحة حاجتهم؛ لأن إبراهيم، صلوات الله تعالى عليه، إنما اشتغل بقراهم، لم يشتغل بالسؤال عن أحوالهم، ولكن اشتغل بما ذكر (أن جاء بعجل حنيذ)، وهذا هو الأدب للضيف، ألا ترى أنه لو كان سأل عن أحولهم، فعرف أنهم من الملائكة لكان لا يشتغل بما ذكرنا إذا عرف أنهم من الملائكة، لا يتناولون شيئا من الطعام...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
أخبر أن الملائكة أتوا إبراهيمَ- عليه السلام- بالبشارة. وأخبر أن إبراهيمَ -عليه السلام- أنْكَرَهُم، ولم يَعْرِفْ أنهم ملائكةٌ. فيُحتمل أنَّه- سبحانه- أراد أن تكونَ تلك البشارة فجأةً من غير تنبيهٍ لتكونَ أتَمَّ وأبلغَ في إيجاد السرور، ولاسيما وقد كانت بعد خوف لأنه قال: {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً}.
ويقال إن إبراهيم- عليه السلام -كان صاحبَ النبوة والخُلَّة والرسالة فلا بُدَّ أن تكون فراستُه أعلى من فراسة كلِّ أحدٍ، ولكنه في هذه الحالة لم يَعْرِفْ الملائكةَ ليُعْلَمَ أنَّ الحقَّ- سبحانه وتعالى -إذا أراد إمضاءِ حُكْمِ يَسُدُّ على مَنْ أرادَ عيونَ الفراسة، وإنْ كان صاحبُ الفراسة هو خليل الله، كما سَدَّ الفراسة، على نبيِّنا- صلى الله عليه وسلم -في قصة الإفْكِ إلى الوقت الذي نزل فيه الوحيُ، وكذلك التبس على لوطٍ- عليه السلام- إلى أن تبيَّن له الأمر.
وتكلموا في هذه "البشرى "ما كانت؛ فقيل كانت البشارة بإسحاق؟ أنَّه سيولد له ولد ومن نَسْله وسُلالته؛ قال تعالى: {وَمِن وراء إسْحَاقَ يَعْقُوبَ}.
ويقال بسلامة قومه- حيث كانوا مُرْسَلين بإهلاك قوم لوط- عليه السلام.
ويقال بشارة بالخُلَّة وتمام الوصلة...
ويقال إن تلك البشارة هي قولهم: "سلاماً" وأن ذلك كان من الله، وأيُّ بشارة أتمُّ من سلام الحبيب؟ وأيُّ صباح يكون مُفْتَتَاً بسلام الحبيب فصَبَاحٌ مباركٌ، وكذلك المبيتُ بسلام الحبيب فهو مباركٌ.
قوله: {فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود:69]: لمَّا توهمهم أضيافاً [قام] بحقَّ الضيافة، فقدَّم خَيْرَ ما عنده مما شكره الحقُّ عليه حيث قال في موضع آخر: {فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:26]. والمحبةُ توجِبُ استكثارَ القليلِ من الحبيبِ واستقلالَ ما مِنْك للحبيب، وفي هذا إشارة إلى أنه إذا نَزَلَ الضيفُ فالواجبُ المبادرةُ إلى تقديم السُّفرة مِمَّا حضر في الوقت.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{وَلقد جَاءَتْ رُسُلُنَا} وهم الملائكة، إبراهيم بالبشرى، قيل: تبشره بإسحاق، وقيل: بهلاك قوم لوط. ويشهد للأول قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} [هود: 74]، {قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ} أي: عليكم. قال علماء البيان: هذا أحسن مما حَيّوه به؛ لأن الرفع يدل على الثبوت والدوام...
{فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} أي: ذهب سريعا، فأتاهم بالضيافة، وهو عجل: فتى البقر، حَنِيذ: [وهو] مَشْوي [شيًا ناضجًا] على الرّضْف، وهي الحجارة المُحْماة...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما انقضت القصة على هذا الوجه الرائع، أتبعها قصة لوط عليه السلام إذ كانت أشهر الوقائع بعدها وهي أفظع منها وأروع، وقدم عليها ما يتعلق بها من أمر إبراهيم عليه السلام وذكر بشراه لما في ذلك كله من التنبيه لمن تعنت بطلب إنزال الملائكة في قولهم {أو جاء معه ملك} على أن ذلك ليس عزيزاً عليه. وقد أكثر من فعله ولكن نزولهم مرهب، وأمرهم عند المكاشفة مرعب، وأما مع الستر فلا يقطع تعنتهم، هذا مع ما في ذلك من مناسبة أمر هذا الولد لأمر الناقة في تكوين كل منهما بخارق للعادة إشارة إلى تمام القدرة وكمال العلم المبني عليه أمر السورة في إحكام الكتاب وتفصيله وتناسب جدالي نوح وإبراهيم عليهما السلام في أن كلاً منهما شفقة على الكافرين ورجاء لنجاتهم من العذاب بحسن المثاب، ولعله سبحانه كرر "لقد "في صدرها عطفاً على ما في قصة نوح للتنبيه على مثل هذه الأغراض، لأن "قد" للتوقع فجاءت لتؤذن بأن السامع في حال توقع لذلك لأنه إذا انقضت قصة توقع الخبر عما بعدها فقال تعالى: {ولقد} قال الرماني: ودخلت اللام لتأكيد الخبر كما يؤكد القسم {جاءت رسلنا} أي الذين عظمتهم من عظمتنا، قيل: كانوا جبرئيل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام {إبراهيم} هو خليل الله عليه السلام {بالبشرى} أي التي هي من أعظم البشائر وهي إكرامه بإسحاق عليه السلام ولداً له من زوجته سارة رضي الله عنها، جاءوه في الصفة التي يحبها وهي صفة الأضياف، فلم يعرفهم مع أنه الخليل بل أنكرهم كما قال تعالى في الذاريات {قال سلام قوم منكرون} [الذاريات: 25] فيحمل إنكاره أولاً على الاستغراب بمعنى أنه لم ير عليهم زيّ أهل تلك البلاد ولا أثر السفر، فكأنه قيل: ما كان من أمرهم؟ فقيل: {قالوا سلاماً} أي سلمنا عليك سلاماً عظيماً {قال سلام} أي ثابت دائم عليكم لا زوال له أبداً، فللرفع مزية على النصب لأنه إخبار عن ثابت، والنصب تجديد ما لم يكن، فصار مندرجاً في {فحيوا بأحسن منها} [النساء: 86] ثم أكرم نزلهم وذهب يفعل ما طبعه الله عليه من سجايا الكرم وأفعال الكرام في أدب الضيافة من التعجيل مع الإتقان {فما لبث} أي فتسبب عن مجيئهم وتعقبه أنه ما تأخر {أن جاء بعجل حنيذ} أي مشوي على حجارة محماة في أخدود وفوقه حجارة محماة ليشتد نضجه، فكان بعد الشيّ يقطر دسمه لأنه سمين، كل ذلك وهو لا يعرف أنهم ملائكة، بل هو قاطع بأنهم ممن يأكل، وهذا ناظر إلى قول قوم نوح {وما نرى لكم علينا من فضل} وقوله {ولا أقول للذين تزدري أعينكم} الآية، أي أن الله جعل المعاني في القلوب وناط بها السعادة والشقاوة، وقد تخفي تلك المعاني كما خفي على أكمل أهل ذلك الزمان أن ضيفه ملائكة حتى خاف منهم وقد أتوه بالبشرى، فلا ينبغي لأحد أن يحتقر أحداً إلا بما أذن الله فيه...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
إنما أسند إليهم مطلقُ المجيءِ بالبشرى دون الإرسالِ لأنهم لم يكونوا مرسَلين إليه عليه السلام بل إلى قوم لوطٍ لقوله تعالى: {إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ} [هود، الآية 70]، وإنما جاؤوه لداعية البُشرى ولما كان المقصودُ في السورة الكريمةِ ذكرَ سوءِ صنيعِ الأممِ السالفةِ مع الرسل المرسلةِ إليهم ولحوقِ العذابِ بهم بسبب ذلك ولم يكن جميعُ قومِ إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام ممن لحق بهم العذابُ بل إنما لحِق بقوم لوطٍ منهم خاصةً غيّر الأسلوبُ المطردُ فيما سبق من قوله تعالى: {وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف، الآية 65] {وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالحا} [الأعراف، الآية 73] ثم رُجع إليه حيث قيل: {وإلى مَدْيَنَ أخاهم شُعَيْباً} [الأعراف، الآية 85]...
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
وكان من دأبه عليه السلام إكرام الضيف، ولذا عجل القرى، وذلك من أدب الضيافة لما فيه من الاعتناء بشأن الضيف، وفي مجيئه بالعجل كله مع أنهم بحسب الظاهر يكفيهم بعضه دليل على أنه من الأدب أن يحضر للضيف أكثر مما يأكل، واختلف في هذا العجل هل كان مهيئاً قبل مجيئهم أو أنه هيىء بعد أن جاؤوا؟ قولان اختار أبو حيان أولهما لدلالة السرعة بالإتيان به على ذلك، ويختار الفقير ثانيهما لأنه أزيد في العناية وأبلغ في الإكرام، وليست السرعة نصاً في الأول كما لا يخفى...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى} خبر مؤكد بالقسم لغرابته عند العرب معطوف على قوله تعالى: {ولقد أرسلنا نوحا} أو على ما عطف عليه من أول السورة لا على ما قبله مباشرة من قصة صالح التي عطفت على قصة هود لتماثلهما، والمراد بالرسل جماعة من الملائكة... وستذكر البشرى بعد التحية والضيافة.
{قالوا سلاما} أي نسلم عليك سلاما، أو ذكروا هذا اللفظ {قال سلام} أي أمركم سلام، أو عليكم سلام، قال المفسرون: إن الرفع أبلغ من النصب، فقد حياهم بأحسن من تحيتهم، أي على عادته ودأبه في إكرام الضيف وظن أنهم أضياف. {فما لبث أن جاء بعجل حنيذ} أي ما مكث وما أبطأ عن مجيئه إياهم بعجل سمين حينئذ أي مشوي بالرضف وهي الحجارة المحمية – والمشوي عليها يكون أنظف من المشوي على النار وألذ طعما، وقد اهتدى البشر إلى شي اللحم من صيد وغيره على الحجارة المحمية بحر الشمس قبل اهتدائهم لطبخه بالنار، وفي سورة الذاريات بعد السلام {فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون} [الذاريات: 26، 27] وهو نص في المبادرة إلى الإتيان به بدون مهلة كأنه كان مشويا معدا لمن يجيء من الضيف أو شوي عند وصولهم من غير تريث.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
ففي هذا مشروعية السلام، وأنه لم يزل من ملة إبراهيم عليه السلام، وأن السلام قبل الكلام، وأنه ينبغي أن يكون الرد، أبلغ من الابتداء، لأن سلامهم بالجملة الفعلية، الدالة على التجدد، ورده بالجملة الاسمية، الدالة على الثبوت والاستمرار، وبينهما فرق كبير كما هو معلوم في علم العربية...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
يلم السياق في مروره التاريخي بالمستخلفين من عهد نوح، وبالأمم التي بوركت والأمم التي كتب عليها العذاب.. يلم بطرف من قصة إبراهيم، تتحقق فيه البركات، في الطريق إلى قصة قوم لوط الذين مسهم العذاب الأليم. وفي قصتي إبراهيم ولوط هنا يتحقق وعد الله بطرفيه لنوح: (قيل:يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك. وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم).. وقد كانت البركات في إبراهيم وعقبه من ولديه: إسحاق وأبنائه أنبياء بني إسرائيل. وإسماعيل ومن نسله خاتم الأنبياء المرسلين.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
تأكيد الخبر بحرف (قد) للاهتمام به كما تقدّم في قوله: {ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه} [هود: 25]. والغرض من هذه القصّة هو: الموعظة بمصير قوم لوط إذْ عصوا رسول ربّهم فحلّ بهم العذاب ولم تغن عنهم مجادلة إبراهيم. وقدّمت قصة إبراهيم لذلك وللتنويه بمقامه عند ربّه على وجه الإدماج، ولذلك غيّر أسلوب الحكاية في القصص الّتي قبلها والتي بعدها نحو {وإلى عاد} [هود: 50] إلخ. والرّسل: الملائكة. قال تعالى: {جاعل الملائكة رسلاً} [فاطر: 1]...
والباء في {بالبشرى} للمصاحبة لأنّهم جاءوا لأجل البشرى فهي مصاحبة لهم كمصاحبة الرسالة للمرسل بها. وجملة {قالوا سلاماً} في موضع البيان ل {البشرى}، لأنّ قولهم ذلك مبدأ البشرى، وإنّ ما اعترض بينها حكاية أحوال، وقد انتهى إليها في قوله: {فبشّرناها بإسحاق إلى قوله إنّه حميد مجيد}...
أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :
يؤخذ من قصة إبراهيم مع ضيفه هؤلاء أشياء من آداب الضيافة. منها تعجيل القري لقوله {فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}. ومنها كون القرى من أحسن ما عنده، لأنهم ذكروا أن الذي عنده البقر وأطيبه لحماً الفتى السمين المنضح. ومنها تقريب الطعام إلى الضيف. ومنها ملاطفته بالكلام بغاية الرفق، كقوله {أَلاَ تَأْكُلُونَ}...