35- قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين : هل من معبوداتكم التي جعلتموها شركاء لله مَن يستطيع التمييز بين الهدى والضلال ، فيرشد سواه إلى السبيل الحق ؟ فسيعجزون ! فهل القادر على الهداية إلى الحق أولى بالاتباع والعبادة ؟ أم الذي لا يستطيع أن يهتدي في نفسه ، وهو بالأولى لا يهدى غيره ، اللهم إلا إذا هداه غيره ؟ كرؤوس الكفر والأحبار والرهبان الذين اتخذتموهم أرباباً من دون الله . فما الذي جعلكم تنحرفون حتى أشركتم هؤلاء بالله ؟ وما هذه الحال العجيبة التي تجركم إلى تلك الأحكام الغريبة .
{ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ْ } ببيانه وإرشاده ، أو بإلهامه وتوفيقه .
{ قُلِ اللَّهُ ْ } وحده { يَهْدِي لِلْحَقِّ ْ } بالأدلة والبراهين ، وبالإلهام والتوفيق ، والإعانة إلى سلوك أقوم طريق .
{ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي ْ } أي : لا يهتدي { إِلَّا أَنْ يُهْدَى ْ } لعدم علمه ، ولضلاله ، وهي شركاؤهم ، التي لا تهدي ولا تهتدي إلا أن تهدى { فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ْ } أي : أيّ شيء جعلكم تحكمون هذا الحكم الباطل ، بصحة عبادة أحد مع الله ، بعد ظهور الحجة والبرهان ، أنه لا يستحق العبادة إلا الله وحده .
فإذا تبين أنه ليس في آلهتهم التي يعبدون مع الله أوصافا معنوية ، ولا أوصافا فعلية ، تقتضي أن تعبد مع الله ، بل هي متصفة بالنقائص الموجبة لبطلان إلهيتها ، فلأي شيء جعلت مع الله آلهة ؟
فالجواب : أن هذا من تزيين الشيطان للإنسان ، أقبح البهتان ، وأضل الضلال ، حتى اعتقد ذلك وألفه ، وظنه حقًا ، وهو لا شيء . ولهذا قال : وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء
( قل : هل من شركائكم من يهدي إلى الحق ? ) . .
فينزل كتاباً ، ويرسل رسولاً ، ويضع نظاماً ، ويشرع شريعة ، وينذر ويوجه إلى الخير ؛ ويكشف عن آيات الله في الكون والنفس ؛ ويوقظ القلوب الغافلة ، ويحرك المدارك المعطلة . كما هو معهود لكم من الله ومن رسوله الذي جاءكم بهذا كله وعرضه عليكم لتهتدوا إلى الحق ? وهذه قضية ليست من سابق مسلماتهم ، ولكن وقائعها حاضرة بين أيديهم . فليقررها لهم الرسول [ ص ] وليأخذهم بها :
ومن هذه تنشأ قضية جديدة ، جوابها مقرر :
( أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع ? أم من لا يهدي إلا أن يهدى ? ) . .
والجواب مقرر . فالذي يهدي الناس إلى الحق أولى بالاتباع ، ممن لا يهتدي هو بنفسه إلا أن يهديه غيره . .
وهذا ينطبق سواء كان المعبودون حجارة أو أشجاراً أو كواكب . أو كانوا من البشر - بما في ذلك عيسى عليه السلام ، فهو ببشريته محتاج إلى هداية اللّه له ، وإن كان هو قد بعث هاديا للناس - ومن عدا عيسى عليه السلام أولى بانطباق هذه الحقيقة عليه :
( فما لكم ? كيف تحكمون ? ) . .
ما الذي وقع لكم وما الذي أصابكم ? وكيف تقدرون الأمور ، فتحيدون عن الحق الواضح المبين ?
وقوله تعالى { قل هل من شركائكم من يهدي } الآية ، { يهدي إلى الحق } يريد به : يبين الطرق والصواب ويدعو إلى العدل ويفصح بالآيات ونحو هذا ، ووصف الأصنام بأنها لا تهدي إلا أن تهدى ، ونحن نجدها لا تهتدي وإن هديت ، فوجه ذلك أنه عامل في العبارة عنها معاملتهم في وصفها بأوصاف من يعقل وذلك مجاز وموجود في كثير من القرآن ، وذكر ذلك أبو علي الفارسي ، والذي أقول : أن قراءة حمزة والكسائي تحتمل أن يكون المعنى أمن لا يهدي أحداً إلا أن يهدى ذلك الأحد بهداية من عند الله ، وأما على غيرها من القراءات التي مقتضاها «أمن لا يهتدي إلا أن يهدى » فيتجه المعنى على ما تقدم لأبي علي الفارسي ، وفيه تجوز كثير ، وقال بعضهم : هي عبارة عن أنها لا تنتقل إلا أن تنقل ، ويحتمل أن يكون ما ذكر الله من تسبيح الجمادات هو اهتداؤها ويحتمل أن يكون الاستثناء في اهتدائها إلى مناكرة الكفار يوم القيامة ، حسبما مضى في هذه السورة ، وقراءة حمزة والكسائي هي «يَهْدي » بفتح الياء وسكون الهاء ، وقرأ نافع وأبو عمرو وشيبة والأعرج وأبو جعفر «يَهْدّي » بسكون الهاء وتشديد الدال{[6106]} ، وقرأ ابن كثير وابن عامر «يَهَدي » بفتح الياء والهاء ، وهذه أفصح القراءات ، نقلت حركة تاء «يهتدي » إلى الهاء وأدغمت التاء في الدال ، وهذه رواية ورش عن نافع وقرأ عاصم في رواية حفص «يَهِدّي » بفتح الياء وكسر الهاء وشد الدال ، أتبع الكسرة الكسرة ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر ، «يِهِدّي » بكسر الياء والهاء وشد الدال وهذا أيضاً إتباع وقال مجاهد : الله يهدي من الأوثان وغيرها ما شاء .
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف ، وقرأ يحيى بن الحارث الزماري . «إلا أن يهَدّي » بفتح الهاء وشد الدال ، ووقف القراء { فما لكم } ، ثم يبدأ { كيف تحكمون }{[6107]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.