[ وقوله : ] { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا } قال كثير من المفسرين : هي حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها ، أسر لها النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا ، وأمر أن لا تخبر به أحدًا ، فحدثت به عائشة رضي الله عنهما ، وأخبره الله بذلك الخبر الذي أذاعته ، فعرفها صلى الله عليه وسلم ، ببعض ما قالت ، وأعرض عن بعضه ، كرمًا منه صلى الله عليه وسلم ، وحلمًا ، ف { قَالَتِ } له : { مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا } الخبر الذي لم يخرج منا ؟ { قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ } الذي لا تخفى عليه خافية ، يعلم السر وأخفى .
ثم يشير إلى الحديث ولا يذكر موضوعه ولا تفصيله ، لأن موضوعه ليس هو المهم ، وليس هو العنصر الباقي فيه . إنما العنصر الباقي هو دلالته وآثاره :
( وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا ) . .
ومن النص نطلع على نموذج من تلك الفترة العجيبة في تاريخ البشرية . الفترة التي يعيش فيها الناس مع السماء . والسماء تتدخل في أمرهم علانية وتفصيلا . ونعلم أن الله قد أطلع نبيه على ما دار بين زوجيه بشأن ذلك الحديث الذي أسره إلى بعض أزواجه . وأنه [ صلى الله عليه وسلم ] حين راجعها فيه اكتفى بالإشارة إلى جانب منه . ترفعا عن السرد الطويل ، وتجملا عن الإطالة في التفصيل ؛ وأنه أنبأها بمصدر علمه وهو المصدر الأصيل :
( فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض . فلما نبأها به قالت : من أنبأك هذا ? قال : نبأني العليم الخبير ) . .
والإشارة إلى العلم والخبرة هنا إشارة مؤثرة في حالة التآمر والمكايدات المحبوكة وراء الأستار ! ترد السائلة إلى هذه الحقيقة التي ربما نسيتها أو غفلت عنها ، وترد القلوب بصفة عامة إلى هذه الحقيقة كلما قرأت هذا القرآن .
وقوله تعالى : { وإذ أسر النبي } الآية معناه اذكر يا محمد ذلك ، على وجه التأنيب والعتب لهن ، وقال الجمهور الحديث هو قوله في أمر مارية ، وقال آخرون : بل هو قوله : «إنما شربت عسلاً » ، وبعض أزواجه هي حفصة ، و { نبأت } معناه ، أخبرت ، وهذه قراءة الجمهور ، وقرأ طلحة : «أنبأت » وكان إخبارها لعائشة ، وهذا ونحوه هو التظاهر الذي عوتبتا فيه ، وقال ميمون بن مهران : الحديث الذي أسر إلى حفصة ، أنه قال لها :
«وأبشري بأن أبا بكر وعمر يملكان أمر أمتي بعدي خلافة » ، وتعدت «نبأ » في هذه الآية مرة إلى مفعولين ومرة إلى مفعول واحد ، لأن ذلك يجوز في أنبأ ونبأ إذا كان دخولها على غير الابتداء والخبر ، فمتى دخلت على الجملة تعدت إلى ثلاثة مفاعيل ، ولا يجوز الاقتصار . وقوله تعالى : { وأظهره الله عليه } أي أطلعه ، وقرأ الكسائي وحده وأبو عبد الرحمن وطلحة وأبو عمرو بخلاف والحسن وقتادة : «عرَف » بتخفيف الراء ، وقرأ الباقون وجمهور الناس : «عرّف » بشدها ، والمعنى في اللفظة مع التخفيف جازى بالعتب واللوم ، كما تقول لإنسان يؤذيك : قد عرفت لك هذا ولأعرفن لك هذا بمعنى لأجازينك عليه ، ونحوه في المعنى قوله تعالى : { أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم ، فأعرض عنهم }{[11186]} [ النساء : 63 ] ، فعلم الله زعيم بمجازاتهم ، وكذلك معرفة النبي صلى الله عليه وسلم ، والمعنى مع الشد في الراء علم به وأنب عليه ، وقوله تعالى : { وأعرض عن بعض } أي تكرماً وحياء وحسن عشرة ، قال الحسن : ما استقصى كريم قط ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حينئذ حفصة ، ثم إن الله تعالى أمره بمراجعتها ، وروي أنه عاتبها ولم يطلقها ، فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بالخبر ، وأنها أفشته إلى عائشة ، ظنت أن عائشة فضحتها ، فقالت : من أنبأك هذا ؟ على جهة التثبت ، فلما أخبرها أن الله تعالى أخبره ، سكتت وسلمت .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.