فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذۡ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعۡضِ أَزۡوَٰجِهِۦ حَدِيثٗا فَلَمَّا نَبَّأَتۡ بِهِۦ وَأَظۡهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ عَرَّفَ بَعۡضَهُۥ وَأَعۡرَضَ عَنۢ بَعۡضٖۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتۡ مَنۡ أَنۢبَأَكَ هَٰذَاۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (3)

{ وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا } قال أكثر المفسرين ومنهم النسفي والمحلي والخازن : هي حفصة كما سبق ، والحديث هو تحريم مارية أو العسل أو تحريم التي وهبت نفسها له ، والعامل في الظرف فعل مقدر ، أي واذكر إذ أسر ، وقال الكلبي : أسر إليها أن أباك وأبا عائشة يكونان خليفتي على أمتي من بعدي .

واخرج ابن عدي وابن عساكر .

" عن عائشة في الآية قالت : أسر إليها أن أبا بكر خليفتي من بعدي " . وأخرج ابن عدي وأبو نعيم في الصحابة والعشاري في فضائل الصديق وابن مردويه وابن عساكر من طرق :

" عن علي وابن عباس قالا : والله إن إمارة أبي بكر وعمر لفي الكتاب . { وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا } ، قال لحفصة أبوك وأبو عائشة واليا الناس بعدي ، فإياك أن تخبري أحدا بهذا " ، قال الشوكاني رحمه الله : وهذا ليس فيه أنه سبب نزول قوله : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ، بل فيه أن الحديث الذي أسره النبي هو هذا فعلى فرض أن له إسنادا يصلح للاعتبار هو معارض بما سبق من تلك الروايات الصحيحة ، وهي مقدمة عليه ومرجحة بالنسبة إليه .

{ فلما نبأت به } أخبرت به غيرها ظنا منها أن لا حرج في ذلك فهو باجتهاد منها ، وهي مأجورة فيه ، وذلك لأن الاجتهاد جائز في عصره صلى الله عليه وسلم على الصحيح ، كما في جمع الجوامع وأصل نبأ وأنبأ وخبر وأخبر وحدث أن تتعدى لاثنين إلى الأول بنفسها ، وإلى الثاني بحرف الجر ، وقد يحذف الجار تخفيفا ، وقد يحذف الأول للدلالة عليه ، وقد جاءت الاستعمالات الثلاث في هذه الآية ، فقوله : { فلما نبأت به } تعدى لاثنين حذف أولهما ، والثاني مجرور بالباء ، وقوله : { فلما نبأها به } ذكرهما ، وقوله : { من أنبأك هذا } ؟ ذكرهما وحذف الجار .

{ وأظهره الله عليه } أي أطلع الله نبيه على ذلك الواقع منها من الإخبار لغيرها على لسان جبريل { عرف بعضه } أي بعض ما أخبرت به وهو تحريم مارية أو العسل قرأ الجمهور : عرف مشددا من التعريف ، ومعناه عرف حفصة بعض الحديث ، وأخبرها ببعض ما كان منها ، وقرئ بالتخفيف أي عرف بعض الذي فعلته حفصة واختار أبو عبيد وأبو حاتم الأولى لقوله : { وأعرض عن بعض } ولو كان مخففا لقال في ضده : وأنكر بعضا ، والمعنى لم يعرفها إيّاه ولم يخبرها به تكرما منه وحياء وحسن عشرة .

قال الحسن : ما استقصى كريم قط ، وقال سفيان : ما زال التغافل من فعل الكرام ، وقيل : أعرض عن تعريف بعض ذلك كرامة أن ينتشر في الناس وقيل : الذي أعرض عنه هو حديث مارية ، وقيل : هو إن أباها وأبا بكر يكونان خليفتين بعده وللمفسرين ههنا خلط وخبط وكل جماعة منهم ذهبوا إلى تفسير التعريف والإعراض بما يطابق بعض ما ورد في سبب النزول ، وقد أوضحنا ذلك من قبل .

{ فلما نبأها به } أي أخبرها بما أفشت من الحديث { قالت من أنبأك هذا ؟ } أي من أخبرك به { قال : نبأني العليم الخبير } أي أخبرني الذي لا تخفى عليه خافية .