البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِذۡ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعۡضِ أَزۡوَٰجِهِۦ حَدِيثٗا فَلَمَّا نَبَّأَتۡ بِهِۦ وَأَظۡهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ عَرَّفَ بَعۡضَهُۥ وَأَعۡرَضَ عَنۢ بَعۡضٖۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتۡ مَنۡ أَنۢبَأَكَ هَٰذَاۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (3)

و { بعض أزواجه } : حفصة ، والحديث هو بسبب مارية .

{ فلما نبأت به } : أي أخبرت عائشة .

وقيل : الحديث إنما هو : «شربت عسلاً » .

وقال ميمون بن مهران : هو إسراره إلى حفصة أن أبا بكر وعمر يملكان إمرتي من بعدي خلافه .

وقرأ الجمهور : { فلما نبأت به } ؛ وطلحة : أنبأت ، والعامل في إذا : اذكر ، وذكر ذلك على سبيل التأنيب لمن أسرّ له فأفشاه .

ونبأ وأنبأ ، الأصل أن يتعديا إلى واحد بأنفسهما ، وإلى ثان بحرف الجر ، ويجوز حذفه فتقول : نبأت به ، المفعول الأول محذوف ، أي غيرها .

و { من أنبأك هذا } : أي بهذا ، { قال نبأني } أي نبأني به أو نبأنيه ، فإذا ضمنت معنى أعلم ، تعدت إلى ثلاثة مفاعيل ، نحو قول الشاعر :

نبئت زرعة والسفاهة كاسمها *** تهدي إليّ غرائب الأشعار

{ وأظهره الله عليه } : أي أطلعه ، أي على إفشائه ، وكان قد تكوتم فيه ، وذلك بإخبار جبريل عليه السلام .

وجاءت الكناية هنا عن التفشية والحذف للمفشى إليها بالسر ، حياطة وصوناً عن التصريح بالاسم ، إذ لا يتعلق بالتصريح بالاسم غرض .

وقرأ الجمهور : { عرّف } بشد الرّاء ، والمعنى : أعلم به وأنب عليه .

وقرأ السلمي والحسن وقتادة وطلحة والكسائي وأبو عمرو في رواية هارون عنه : بخف الراء ، أي جازى بالعتب واللوم ، كما تقول لمن يؤذيك : لأعرفن لك ذلك ، أي لأجازينك .

وقيل : إنه طلق حفصة وأمر بمراجعتها .

وقيل : عاتبها ولم يطلقها .

وقرأ ابن المسيب وعكرمة : عراف بألف بعد الراء ، وهي إشباع .

وقال ابن خالويه : ويقال إنها لغة يمانية ، ومثالها قوله :

أعوذ بالله من العقراب *** الشائلات عقد الأذناب

يريد : من العقرب .

{ وأعرض عن بعض } : أي تكرماً وحياء وحسن عشرة .

قال الحسن : ما استقصى كريم قط .

وقال سفيان : ما زال التغافل من فعل الكرام ، ومفعول عرّف المشدد محذوف ، أي عرّفها بعضه ، أي أعلم ببعض الحديث .

وقيل : المعرّف خلافة الشيخين ، والذي أعرض عنه حديث مارية .

ولما أفشت حفصة الحديث لعائشة واكتتمتها إياه ، ونبأها الرسول صلى الله عليه وسلم به ، ظنت أن عائشة فضحتها فقالت : { من أنبأك هذا } على سبيل التثبت ، فأخبرها أن الله هو الذي نبأه به ، فسكنت وسلمت .