الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَإِذۡ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعۡضِ أَزۡوَٰجِهِۦ حَدِيثٗا فَلَمَّا نَبَّأَتۡ بِهِۦ وَأَظۡهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ عَرَّفَ بَعۡضَهُۥ وَأَعۡرَضَ عَنۢ بَعۡضٖۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتۡ مَنۡ أَنۢبَأَكَ هَٰذَاۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (3)

{ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً } وهو تحريمهُ صلى الله عليه وسلم فتاته على نفسه ، وقوله لحفصة : لا تخبري بذلك أحداً .

وقال الكلبي : أسرّ إليها أنْ أباكِ وأبا عائشة يكونان خليفتين على أُمتي من بعدي .

أخبرنا عبد اللّه بن حامد قراءة عليه ، أخبرنا عمر بن الحسن ، حدّثنا أحمد بن الحسن بن سعيد ، حدّثنا أُبي ، حدّثنا حصين عن الحر المسلي عن خلف بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً } قال : أسرَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر الخلافة بعده ؛ فحدّثت به حفصة .

أخبرنا عبد اللّه بن حامد ، أخبرنا نصر بن محمد بن شيرزاد ، حدّثنا الحسن بن سعيد البزار ، حدّثنا خالد بن العوام البزار ، حدّثني فرات بن السائب عن ميمون بن مهران في قول اللّه تعالى { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً } قال : أسرَّ إليها أنّ أبا بكر خليفتي من بعدي .

{ فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ } خبّرت بالحديث الذي أسرّ إليها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صاحبتها .

{ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ } اي وأطلع اللّه نبيه صلى الله عليه وسلم على أنّها قد نبّأت به .

وقرأ طلحة بن مصرف : فلمّا أنبأت به بالألف .

{ عَرَّفَ بَعْضَهُ } قرأ علي وأَبُو عبد الرّحمن والحسن البصري وقتادة والكسائي : عرف بالتخفيف .

أخبرنا محمد بن عبدوس ، حدّثنا محمد بن يعقوب ، حدّثنا محمد بن الجهم ، حدّثنا الفرّاء ، حدّثني شيخ من بني أسد يعني الكسائي عن نعيم بن عَمُرو عن عطاء عن أبي عبد الرّحمن قال : كان إذا قرأ عليه الرجل عرّف بالتشديد حصبه بالحصباء ، ومعناه على هذه القراءة : عرف بعض ذلك ما فعلت الفعل الذي فعلته من إفشاء سِرّه أي غضب من ذلك عليها وجازاها به ، من قول القائل لمن اساء إليه : لأعرفنّ لك بمعنى لأجازينّك عليه .

قالوا وجازاها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بإنّ طلّقها ، فلمّا بلغ ذلك عُمر قال : لو كان في آل عمر خير لما طلقك رسول اللّه شهراً ، فجاءه جبرائيل ( عليه السلام ) وأمرهُ بمراجعتها ، واعتزل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نساءه شهراً ، وقعد في مشربة أُم إبراهيم مارية حتى نزلت آية التخيير ، فقال مقاتل بن حيّان : لم يطلق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حفصة وإنّما همَّ بطلاقها فأتاهُ جبرائيل ( عليه السلام ) فقال : لا تطلّقها ؛ فإنّها صوّامة قوّامة ، وإنّها من أحدى نسائك في الجنة ، فلم يطلقها .

وقرأ الباقون : عرّف بالتشديد يعني : إنّهُ عرّف حفصة بعض ذلك الحديث وأخبرها به ، واختاره أَبُو حاتم وأَبُو عبيدة قال : لأنّه في التفسير أنّهُ أخبرها ببعض القول الذي كان منها ، ومما يحقق ذلك قوله : { وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ } يعني : إنّه لم يعرّفها أياهُ ولم يخبرها به .

ولو كانت { عَرَّفَ بَعْضَهُ } مخففه لكان ضدّه وأنكر بعضاً ، ولم يقل أعرّض عنه .

قال الحسن : ما استقصى كريم قط ، قال اللّه تعالى { عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ } .

قال مقاتل : يعني أخبرها ببعض ما قال لعائشة ، فلم يخبرها بقولها أجمع ، عرّف حفصة بعضهُ وأعرض عن بعض الحديث بأنّ أبا بكر وعمر يملكان بعدي .

{ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ } أي أخبر حفصة بما أظهره اللّه عليه .

{ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ } .