{ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ } أي : فيفضِّلون من شاءوا على من شاءوا بمجرد أهوائهم ، فيكونون شركاء لله في تدبير المملكة ، فلو كانوا كذلك لشحوا وبخلوا أشد البخل ، ولهذا قال : { فَإِذًا } أي : لو كان لهم نصيب من الملك { لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا } أي : شيئًا ولا قليلا . وهذا وصف لهم بشدة البخل على تقدير وجود ملكهم المشارك لملك الله . وأخرج هذا مخرج الاستفهام المتقرر إنكاره عند كل أحد .
وبعد التعجيب من أمرهم وموقفهم وقولهم ؛ وإعلان اللعنة عليهم والخذلان . . يأخذ في استنكار موقفهم من الرسول [ ص ] والمسلمين ؛ وغيظهم من أن يمن الله عليهم هذه المنة . . منة الدين والنصر والتمكين . وحسدهم لهم على ما أعطاعهم الله من فضله . وهم لم يعطوهم من عندهم شيئا ! ويكشف في الوقت ذاته عن كزازة طبيعتهم ؛ واستكثار أى عطاء يناله غيرهم ؛ مع أن الله قد أفاض عليهم وعلى آبائهم فلم يعلمهم هذا الفيض السماحة ؛ ولم يمنعهم من الحسد والكنود :
( أم لهم نصيب من الملك ؟ فإذا لا يؤتون الناس نقيرا ! )
يا عجبا ! إنهم لا يطيقون أن ينعم الله على عبد من عباده بشيء من عنده . . فهل هم شركاؤه - سبحانه ! - هل لهم نصيب في ملكه ، الذي يمنح منه ويفيض ؟ ولو كان لهم نصيب لضنوا - بكزازتهم وشحهم - أن يعطوا الناس نقيرا . . والنقير النقرة تكون في ظهر النواة - وهذه لا تسمح كزازة يهود وأثرتها البغيضة أن تعطيها للناس ، لو كان لها في الملك نصيب ! والحمد لله أن ليس لها في الملك نصيب . . وإلا لهلك الناس جميعا وهم لا يعطون حتى النقير ! ! !
{ أم لهم نصيب من الملك } أم منقطعة ومعنى الهمزة إنكار أن يكون لهم نصيب من الملك وجحد لما زعمت اليهود من أن الملك سيصير إليهم . { فإذا لا يؤتون الناس نقيرا } أي لو كان لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون أحدا ما يوازي نقيرا ، وهو النقرة في ظهر النواة . وهذا هو الإغراق في بيان شحهم فإنهم إن بخلوا بالنقير وهم ملوك فما ظنك بهم إذا كانوا فقراء أذلاء متفاقرين ، ويجوز أن يكون المعنى إنكار أنهم أوتوا نصيبا من الملك على الكناية ، وأنهم لا يؤتون الناس شيئا وإذا وقع بعد الواو والفاء لا لتشريك مفرد جاز فيه الإلغاء والإعمال ، ولذلك قرئ فإذا لا يؤتوا الناس على النصب .
( أم ) للإضراب الانتقالي . وهي تؤذن بهمزة استفهام محذوفة بعدها ، أي : بل ألَهُم نصيب من الملك فلا يؤتون الناس نقيراً .
والاستفهام إنكاري حكمه حكم النفي . والعطف بالفاء على جملة { لهم نصيب } وكذلك ( إذن ) هي جزاء لجملة { لهم نصيب } ، واعتبر الاستفهام داخلاً على مجموع الجملة وجزائها معاً ؛ لأنّهم ينتفي إعطاؤهم الناس نقيراً على تقدير ثبوت المُلك لهم لا على انتفائه . وهذا الكلام تهكّم عليهم في انتظارهم هو أن يرجع إليهم ملك إسرائيل ، وتسجيل عليهم بالبخل الذي لا يُؤاتي من يَرْجون المُلك . كما قال أبو الفتح البستي :
إذَا مَلِكَ لَمْ يَكُن ذَا هِبَهْ *** فدَعْه فدولتُه ذَاهِبَهْ
والنقير : شَكْلَةٌ في النواة كالدائرة ، يضرب بها المثَل في القلّة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.