إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَمۡ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّنَ ٱلۡمُلۡكِ فَإِذٗا لَّا يُؤۡتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيرًا} (53)

{ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ منَ الملك } شروعٌ في تفصيل بعضٍ آخرَ من قبائحهم ، وأمْ منقطعةٌ وما فيها من بل للإضراب والانتقالِ من ذمهم بتزكيتهم أنفسَهم وغيرِها مما حُكي عنهم إلى ذمهم بادّعائهم نصيباً من الملك وبُخلِهم المفرِطِ وشحِّهم البالغِ ، والهمزةُ لإنكار أن يكون لهم ما يدّعونه وإبطالِ ما زعموا أن المُلك سيصير إليهم ، وقولُه تعالى : { فَإذاً لاَّ يُؤْتُونَ الناس نَقِيراً } بيانٌ لعدم استحقاقِهم له بل لاستحقاقهم الحِرمانَ منه بسبب أنهم من البخل والدناءةِ بحيث لو أوتوا شيئاً من ذلك لما أعطَوا الناسَ منه أقلَّ قليلٍ ، ومن حق مَنْ أوتي المُلكَ أن يُؤثِرَ الغيرَ بشيء منه ، فالفاءُ للسببية الجزائيةِ لشرط محذوفٍ ، أي إن جُعل لهم نصيبٌ منه فإذن لا يؤتون الناسَ مقدارَ نقيرٍ وهو ما في ظهر النواة من النُقرة ، يُضرب به المثلُ في القِلة والحقارةِ ، وهذا هو البيانُ الكاشفُ عن كُنه حالِهم ، وإذا كان شأنُهم كذلك وهم مُلوكٌ فما ظنُّك بهم وهم أذلاءُ متفاقرون . ويجوز أن لا تكون الهمزةُ لإنكار الوقوعِ بل لإنكار الواقعِ والتوبيخِ عليه ، أي لعدِّه مُنكراً غيرَ لائقٍ بالوقوع ، على أن الفاءَ للعطف ، والإنكارُ متوجهٌ إلى مجموع المعطوفَين على معنى ألهمْ نصيبٌ وافرٌ من الملك حيث كانوا أصحابَ أموالٍ وبساتينَ وقصورٍ مَشيدةٍ كالملوك فلا يؤتون الناسَ مع ذلك نقيراً كما تقول لغنيَ لا يراعي أباه : ألك هذا القدرُ من المال فلا تُنفقُ على أبيك شيئاً ؟ وفائدةُ إذن تأكيدُ الإنكارِ والتوبيخِ حيث يجعلون ثبوتَ النصيبِ سبباً للمنع مع كونِه سبباً للإعطاء ، وهي مُلغاةٌ عن العمل كأنه قيل : فلا يؤتون الناسَ إذن ، وقرئ فإذن لا يُؤتوا بالنصب على إعمالها .