غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَمۡ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّنَ ٱلۡمُلۡكِ فَإِذٗا لَّا يُؤۡتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيرًا} (53)

41

ثم لما وصفهم بالضلال والإضلال وصفهم بالبخل والحسد اللذين هما شر الخصال ، لأن البخيل يمنع ما أوتي من النعمة ، والحاسد يتمنى أن يزول عن الغير ما أوتي من الفضيلة . و " أم " قيل : إنها متصلة وقد سبقها استفهام في المعنى كأنه لما حكى قولهم للمشركين أنهم أهدى سبيلاً من المؤمنين قال : أمن ذلك يتعجب أم من قولهم لهم نصيب من الملك مع أنهم لو كان لهم ملك لبخلوا بأقل القليل ؟ وقيل : الميم زائدة والتقدير ألهم نصيب ؟ والأصح أنها منقطعة كأنه لما تم الكلام الأول قال : بل ألهم نصيب من الملك ؟ ومعنى الآية أنهم كانوا يزعمون أن الملك يعود إليهم في آخر الزمان ويخرج من اليهود من يجدد ملكهم ودينهم فكذبهم الله . وقيل : المراد بالملك التمليك يعني أنهم إنما يقدرون على دفع نبوتك لو كان التمليك إليهم ، ولو كان التمليك إليهم لبخلوا بالنقير والقطمير فكيف يقدرون على النفي والإثبات ؟ وقال أبو بكر الأصم : كانوا أصحاب بساتين وأموال وكانوا في عزة ومنعة كما تكون أحوال الملوك ، ثم كانوا يبخلون على الفقراء بأقل القليل فنزلت الآية فيهم . وعلى هذا فإنما يتوجه الإنكار على أنهم لا يؤتون أحداً مما يملكون شيئاً . وعلى الأقوال المتقدمة يتوجه الإنكار على أن لهم نصيباً من الملك فكأنه تعالى جعل بخلهم كالمانع من حصول الملك لهم فإن البخل والملك لا يجتمعان كما قيل : بالبر يستعبد الحر والإنسان عبد الإحسان . البخيل تنفر الطباع عن الانقياد له فلا يتيسر له أسباب المملكة ، وإن اجتمعت بالندرة فسوق تضمحل . وإنما لم يعمل " إذن " لدخول الفاء عليه . وذلك أن ما بعد العاطف من تمام ما قبله بسبب ربط العاطف بعض الكلام ببعض فينخرم تصدره فكأنه معتمد فترجح إلغاؤه وارتفاع الفعل بعده .

وجاء في قراءة ابن مسعود { فإذن لا يؤتوا } بالأعمال وليس بقوي . والنقير نقرة في ظهر النواة " فعيل " بمعنى " مفعول " ومنها " نبتت النخلة " وهو مثل في القلة كالفتيل . فإن قيل : كيف يعقل أنهم لا يبذلون نقيراً وكثيراً ما يشاهد منهم بذل الأموال ؟ قلنا : المدعى عدم إيتاء النقير على تقدير حصول الملك ويراد به الملك الظاهر كما لملوك الدنيا ، أو الباطن كما للعلماء الربانيين ، أو كلاهما كما للأنبياء . وحصول شيء من هذه الأقسام لهم ممنوع لما ضربت عليهم الذلة والمسكنة . ولئن فرض حصول شيء منها فما يدريك لعل الشح يغلب عليهم حتى لا يشاهد منهم بذل نقير كما أخبر عنه علام الغيوب . وأما على تفسير الأصم فلعل المراد لأنهم لا يبذلون شيئاً نسبته إلى ما يملكونه كنسبة النقير إلى النواة ، أو أنهم لا يطيبون بذلك نفساً لغلبة الشح عليهم والله تعالى أعلم بمراده . هذا بيان بخلهم ،

/خ57