71- ولو كان الحق تابعاً لأهوائهم لشاع الفساد في الأرض ولتنازعت الأهواء ، ولكنا أرسلنا إليهم القرآن الذي يُذَكِّرهم بالحق الذي يجب أن يجتمع عليه الجميع ، ومع ذلك هم معرضون عنه{[144]} .
والحق لا يمكن أن يدور مع الهوى ؛ وبالحق تقوم السماوات والأرض ، وبالحق يستقيم الناموس ، وتجري السنن في هذا الكون وما فيه ومن فيه :
( ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ) . .
فالحق واحد ثابت ، والأهواء كثيرة متقلبة . وبالحق الواحد يدبر الكون كله ، فلا ينحرف ناموسه لهوى عارض ، ولا تتخلف سنته لرغبة طارئة . ولو خضع الكون للأهواء العارضة ، والرغبات الطارئة لفسد كله ، ولفسد الناس معه ، ولفسدت القيم والأوضاع ، واختلت الموازين والمقاييس ؛ وتأرجحت كلها بين الغضب والرضى ، والكره والبغض ، والرغبة والرهبة ، والنشاط والخمول . . وسائر ما يعرض من الأهواء والمواجد والانفعالات والتأثرات . . وبناء الكون المادي واتجاهه إلى غايته كلاهما في حاجة إلى الثبات والاستقرار والاطراد ، على قاعدة ثابتة ، ونهج مرسوم ، لا يتخلف ولا يتأرجح ولا يحيد .
ومن هذه القاعدة الكبرى في بناء الكون وتدبيره ، جعل الإسلام التشريع للحياة البشرية جزءا من الناموس الكوني ، تتولاه اليد التي تدبر الكون كله وتنسق أجزاءه جميعا . والبشر جزء من هذا الكون خاضع لناموسه الكبير ؛ فأولى أن يشرع لهذا الجزء من يشرع للكون كله ، ويدبره في تناسق عجيب . بذلك لا يخضع نظام البشر للأهواء فيفسد ويختل : ( ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن )إنما يخضع للحق الكلي ، ولتدبير صاحب التدبير .
وهذه الأمة التي جاء لها الإسلام كانت أولى الأمم باتباع الحق الذي يتمثل فيه . ففوق أنه الحق هو كذلك مجد لها وذكر . وما كان لها من ذكر لولاه في العالمين :
( بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون ) . .
وقد ظلت أمة العرب لا ذكر لها في تاريخ العالم حتى جاءها الإسلام . وقد ظل ذكرها يدوي في آذان القرون طالما كانت به مستمسكة . وقد تضاءل ذكرها عندما تخلت عنه ، فلم تعد في العير ولا في النفير . ولن يقوم لها ذكر إلا يوم أن تفيء إلى عنوانها الكبير . . . !
{ ولو اتبع الحق أهواءهم } بأن كان في الواقع آلهة شتى . { لفسدت السموات والأرض ومن فيهن } كما سبق تقريره في قوله تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } . وقيل لو اتبع الحق أهواءهم وانقلب باطلا لذهب ما قام به العالم فلم يبق ، أو لو اتبع الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أهواءهم وانقلب شركا لجاء الله بالقيامة وأهلك العالم من فرط غضبه ، أو لو اتبع الله أهواءهم بأن أنزل ما يشتهونه من الشرك والمعاصي لخرج عن الألوهية ولم يقدر أن يمسك السموات والأرض وهو على أصل المعتزلة . { بل أتيناهم بذكرهم } بالكتاب الذي هو ذكرهم أي وعظهم أو صيتهم ، أو الذكر الذي تمنوه بقولهم { لو أن عندنا ذكرا من الأولين } وقرئ " بذكراهم " . { فهم عن ذكرهم معرضون } لا يلتفتون إليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.