المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ إِنَّ رَبَّكَ وَٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ هُوَ أَعۡلَمُ بِكُمۡ إِذۡ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَإِذۡ أَنتُمۡ أَجِنَّةٞ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡۖ فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ} (32)

32- الذين يجتنبون ما يكبر عقابه من الذنوب وما يعظم قبحه منها ، لكن الصغائر من الذنوب يعفو الله عنها ، إن ربك عظيم المغفرة ، هو أعلم بأحوالكم ، إذ خلقكم من الأرض ، وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم في أطواركم المختلفة ، فلا تصفوا أنفسكم بالتزكي مدحاً وتفاخراً ، هو أعلم بمن اتقى ، فزكت نفسه حقيقة بتقواه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ إِنَّ رَبَّكَ وَٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ هُوَ أَعۡلَمُ بِكُمۡ إِذۡ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَإِذۡ أَنتُمۡ أَجِنَّةٞ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡۖ فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ} (32)

ثم ذكر وصفهم فقال : { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ } أي : يفعلون ما أمرهم الله به من الواجبات ، التي يكون تركها من كبائر الذنوب ، ويتركون المحرمات الكبار ، كالزنا ، وشرب الخمر ، وأكل الربا ، والقتل ، ونحو ذلك من الذنوب العظيمة ، { إِلَّا اللَّمَمَ } وهي الذنوب الصغار ، التي لا يصر صاحبها عليها ، أو التي يلم بها العبد ، المرة بعد المرة ، على وجه الندرة والقلة ، فهذه ليس مجرد الإقدام عليها مخرجا للعبد من أن يكون من المحسنين ، فإن هذه مع الإتيان بالواجبات وترك المحرمات ، تدخل تحت مغفرة الله التي وسعت كل شيء ، ولهذا قال : { إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ } فلولا مغفرته لهلكت البلاد والعباد ، ولولا عفوه وحلمه لسقطت السماء على الأرض ، ولما ترك على ظهرها من دابة . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات لما بينهن ، ما اجتنبت الكبائر " [ وقوله : ] { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ } أي : هو تعالى أعلم بأحوالكم كلها ، وما جبلكم عليه ، من الضعف والخور ، عن كثير مما أمركم الله به ، ومن كثرة الدواعي إلى بعض{[902]}  المحرمات ، وكثرة الجواذب إليها ، وعدم الموانع القوية ، والضعف موجود مشاهد منكم حين أنشاكم{[903]}  الله من الأرض ، وإذ كنتم في بطون أمهاتكم ، ولم يزل موجودا فيكم ، وإن كان الله تعالى قد أوجد فيكم قوة على ما أمركم به ، ولكن الضعف لم يزل ، فلعلمه تعالى بأحوالكم هذه ، ناسبت الحكمة الإلهية والجود الرباني ، أن يتغمدكم برحمته ومغفرته وعفوه ، ويغمركم بإحسانه ، ويزيل عنكم الجرائم والمآثم ، خصوصا إذا كان العبد مقصوده مرضاة ربه في جميع الأوقات ، وسعيه فيما يقرب إليه في أكثر الآنات ، وفراره من الذنوب التي يتمقت بها عند مولاه ، ثم تقع منه الفلتة بعد الفلتة ، فإن الله تعالى أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين{[904]}  أرحم بعباده من الوالدة بولدها ، فلا بد لمثل هذا أن يكون من مغفرة ربه قريبا وأن يكون الله له في جميع أحواله مجيبا ، ولهذا قال تعالى : { فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ } أي : تخبرون الناس بطهارتها على وجه التمدح{[905]} .

{ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } [ فإن التقوى ، محلها القلب ، والله هو المطلع عليه ، المجازي على ما فيه من بر وتقوى ، وأما الناس ، فلا يغنون عنكم من الله شيئا ] .


[902]:- في ب: إلى فعل.
[903]:- في ب: حين أخرجكم.
[904]:- في ب: وأجود الأجودين.
[905]:- كذا في ب، وفي أ: تطهرونها، وتخبرون الناس بذلك على وجه التمدح.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ إِنَّ رَبَّكَ وَٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ هُوَ أَعۡلَمُ بِكُمۡ إِذۡ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَإِذۡ أَنتُمۡ أَجِنَّةٞ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡۖ فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ} (32)

ثم يحدد الذين أحسنوا هؤلاء ، والذين يجزيهم بالحسنى . . فهم :

( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش . إلا اللمم ) . .

وكبائر الإثم هي كبار المعاصي . والفواحش كل ما عظم من الذنب وفحش . واللمم تختلف الأقوال فيه . فابن كثير يقول : وهذا استثناء منقطع لأن اللمم من صغار الذنوب ومحقرات الأعمال . قال الإمام أحمد : حدثنا عبدالرزاق ، أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة ، عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال : " إن الله تعالى إذا كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة . فزنا العين النظر ، وزنا اللسان النطق ، والنفس تمنى وتشتهي ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن ثور ، حدثنا معمر ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى أن ابن مسعود قال : زنا العين النظر ، وزنا الشفتين التقبيل ، وزنا اليدين البطش ، وزنا الرجلين المشي . ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه . فإن تقدم بفرجه كان زانيا وإلا فهو اللمم . وكذا قال مسروق والشعبي .

وقال عبد الرحمن بن نافع الذي يقال له ابن لبابة الطائفي ، قال : سألت أبا هريرة عن قول الله : إلا اللمم قال : القبلة والنظرة والغمزة والمباشرة . فإذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل . وهو الزنا .

فهذه أقوال متقاربة في تعريف اللمم .

وهناك أقوال أخرى :

قال علي بن طلحة عن ابن عباس : إلا اللمم إلا ما سلف . وكذا قال زيد بن أسلم .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن منصور ، عن مجاهد ، أنه قال في هذه الآية : إلا اللمم قال : الذي يلم بالذنب ثم يدعه .

وقال ابن جرير : حدثني سليمان بن عبد الجبار : حدثنا أبو عاصم ، حدثنا زكريا عن ابن إسحاق ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء ، عن ابن عباس : ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) . . قال : هو الرجل يلم بالفاحشة ثم يتوب . وقال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]

إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك ما ألما ?

وهكذا رواه الترمذي عن أحمد بن عثمان البصري عن أبي عاصم النبيل . ثم قال : هذا حديث صحيح حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث زكريا بن إسحاق . وكذا قال البزار لا نعلمه يروى متصلا إلا من هذا الوجه .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبدالله بن يزيع . حدثنا يزيد بن زريع . حدثنا يونس ، عن الحسن ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - [ اراه رفعه ] في ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) . قال : اللمة من الزنا ثم يتوب ولا يعود . واللمة من السرقة ثم يتوب ولا يعود . واللمة من شرب الخمر ثم يتوب ولا يعود . قال : فذلك الإلمام . .

وروي مثل هذا موقوفا على الحسن .

فهذه طائفة أخرى من الأقوال تحدد معنى اللمم تحديدا غير الأول .

والذي نراه أن هذا القول الأخير أكثر تناسبا مع قوله تعالى بعد ذلك : ( إن ربك واسع المغفرة ) . . فذكر سعة المغفرة يناسب أن يكون اللمم هو الإتيان بتلك الكبائر والفواحش ، ثم التوبة . ويكون الاستثناء غير منقطع . ويكون الذين أحسنوا هم الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش . إلا أن يقعوا في شيء منها ثم يعودوا سريعا ولا يلجوا ولا يصروا . كما قال الله سبحانه : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم - ومن يغفر الذنوب إلا الله - ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) . . وسمى هؤلاء [ المتقين ] ووعدهم مغفرة وجنة عرضها السماوات والأرض . . فهذا هو الأقرب إلى رحمة الله ومغفرته الواسعة .

وختم الآية بأن هذا الجزاء بالسوءى وبالحسنى مستند إلى علم الله بحقيقة دخائل الناس في أطوارهم كلها .

( هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض ، وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم ) . .

فهو العلم السابق على ظاهر أعمالهم . العلم المتعلق بحقيقتهم الثابتة ، التي لا يعلمونها هم ، ولا يعرفها إلا الذي خلقهم . علم كان وهو ينشيء أصلهم من الأرض وهم بعد في عالم الغيب . وكان وهم أجنة في بطون أمهاتهم لم يروا النور بعد . علم بالحقيقة قبل الظاهر . وبالطبيعة قبل العمل .

ومن كانت هذه طبيعة علمه يكون من اللغو - بل من سوء الأدب - أن يعرفه إنسان بنفسه ، وأن يعلمه - سبحانه - بحقيقته ! وأن يثني على نفسه أمامه يقول له : أنا كذا وأنا كذا :

( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ) . .

فما هو بحاجة إلى أن تدلوه على أنفسكم ، ولا أن تزنوا له أعمالكم ؛ فعنده العلم الكامل . وعنده الميزان الدقيق . وجزاؤه العدل . وقوله الفصل . وإليه يرجع الأمر كله .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ إِنَّ رَبَّكَ وَٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ هُوَ أَعۡلَمُ بِكُمۡ إِذۡ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَإِذۡ أَنتُمۡ أَجِنَّةٞ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡۖ فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ} (32)

وقال هاهنا : { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ } . وهذا استثناء منقطع ؛ لأن اللمم من صغائر الذنوب ومحقرات الأعمال .

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا مَعْمَر{[27679]} عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : ما رأيت شيئًا أشبه باللمَم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن الله تعالى كتب على ابن آدم حظه من الزنا ، أدرك ذلك لا محالة ، فَزِنَا العين النظر ، وزنا اللسان النطق ، والنفس تَمنَّى وتَشْتَهِي ، والفرج يُصدِّق ذلك أو يُكَذِّبه " .

أخرجاه في الصحيحين ، من حديث عبد الرزاق ، به{[27680]} .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن{[27681]} ثور حدثنا مَعْمَر ، عن الأعمش ، عن أبي الضُّحَى ؛ أن ابن مسعود قال : " زنا العينين النظر ، وزنا الشفتين التقبيل ، وزنا اليدين البطش ، وزنا الرجلين المشي ، ويُصدّق ذلك الفرج أو يُكَذِّبه ، فإن تقدم بفرجه كان زانيا ، وإلا فهو اللَّمَم " {[27682]} . وكذا قال مسروق ، والشعبي .

وقال عبد الرحمن بن نافع - الذي يقال له : ابن لبابة الطائفي - قال : سألت أبا هريرة عن قول الله : { إِلا اللَّمَمَ } قال : القُبلة ، والغمزة ، والنظرة ، والمباشرة ، فإذا مس الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل ، وهو الزنا .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { إِلا اللَّمَمَ } إلا ما سلف . وكذا قال زيد بن أسلم .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن مجاهد أنه قال : في هذه الآية : { إِلا اللَّمَمَ } قال : الذي يلم بالذنب ثم يَدَعه ، قال الشاعر :

إنْ تَغْفِر اللهُمّ تغفر جَمّا *** وَأيّ عَبْد لَكَ مَا أَلَمَّا? !

وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قول الله : { إِلا اللَّمَمَ } قال : الرجل يلم بالذنب ثم ينزع عنه ، قال : وكان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت وهم يقولون :

إن تغفر اللهم تغفر جما *** وأي عبد لك ما ألما? !

وقد رواه ابن جرير وغيره مرفوعا {[27683]} .

قال ابن جرير : حدثني سليمان بن عبد الجبار ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا زكريا بن إسحاق ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء ، عن ابن عباس : { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ } قال : هو الرجل يلم بالفاحشة ثم يتوب وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

إن تغفر اللهم تغفر جما *** وأي عبد لك ما ألما? !

وهكذا رواه الترمذي ، عن أحمد بن عثمان أبي{[27684]} عثمان البصري ، عن أبي عاصم النبيل . ثم قال : هذا حديث حسن صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من حديث زكريا بن إسحاق . وكذا قال البزار : لا نعلمه يُروى متصلا إلا من هذا الوجه . وساقه ابن أبي حاتم والبغوي من حديث أبي عاصم النبيل ، وإنما ذكره البغوي في تفسير سورة " تنزيل " وفي صحته مرفوعا نظر {[27685]} .

ثم قال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الله بن بَزِيع ، حدثنا يزيد بن زُرَيْع ، حدثنا يونس ، عن الحسن ، عن أبي هريرة - أراه رفعه - : { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ } قال : " اللمة من الزنا ثم يتوب ولا يعود ، واللمة من السرقة ثم يتوب ولا يعود ، واللمة من شرب الخمر ثم يتوب ولا يعود " ، قال : " ذلك{[27686]} الإلمام " {[27687]} .

وحدثنا ابن بشار ، حدثنا ابن أبي عَديّ ، عن عوف ، عن الحسن في قول الله : { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ } قال : اللمم من الزنا أو السرقة أو شرب الخمر ، ثم لا يعود .

وحدثني يعقوب ، حدثنا ابن عُلَيَّةَ ، عن أبي رَجاء ، عن الحسن في قول الله : { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ } قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : هو الرجل يصيب اللمة من الزنا ، واللمة من شرب الخمر ، فيجتنبها ويتوب منها .

وقال ابن جرير{[27688]} ، عن عطاء ، عن ابن عباس : { إِلا اللَّمَمَ } يلم بها في الحين . قلت : الزنا ؟ قال : الزنا ثم يتوب .

وقال ابن جرير أيضا : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا ابن عُيَيْنَة ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : { اللَّمَمَ } الذي يلم المرَّةَ .

وقال السدي : قال أبو صالح : سئلت عن { اللَّمَمَ } فقلت : هو الرجل يصيب الذنب ثم يتوب . وأخبرت بذلك ابن عباس فقال : لقد أعانك عليها مَلَك كريم . حكاه البغوي .

وروى ابن جرير من طريق المثنى بن الصباح - وهو ضعيف - عن عمرو بن شعيب ؛ أن عبد الله بن عمرو قال : { اللَّمَمَ } : ما دون الشرك .

وقال سفيان الثوري ، عن جابر الجُعفي ، عن عطاء ، عن ابن الزبير : { إِلا اللَّمَمَ } قال : ما بين الحدين : حد الدنيا {[27689]} وعذاب الآخرة . وكذا رواه شعبة ، عن الحكم ، عن ابن عباس ، مثله سواء .

وقال العَوْفِيّ ، عن ابن عباس في قوله : { إِلا اللَّمَمَ } كل شيء بين {[27690]} الحدين : حد الدنيا {[27691]} وحد الآخرة ، تكفره الصلوات ، وهو {[27692]} اللمم ، وهو دون كل موجب ، فأما حد الدنيا فكل حد فرض الله عقوبته في الدنيا ، وأما حد الآخرة فكل شيء ختمه الله بالنار ، وأخَّر عقوبته إلى الآخرة . وكذا قال عكرمة ، وقتادة ، والضحاك .

وقوله : { إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ } أي : رحمته وَسِعَت كل شيء ، ومغفرته تَسَع الذنوب كلها لمن تاب منها ، كقوله : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [ الزمر : 53 ] .

وقوله : { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْض } أي : هو بصير بكم ، عليم بأحوالكم وأفعالكم وأقوالكم التي تصدر{[27693]} عنكم وتقع منكم ، حين أنشأ أباكم آدم من الأرض ، واستخرج ذريته من صلبه أمثال الذَّر ، ثم قسمهم فريقين : فريقا للجنة وفريقا للسعير{[27694]} . وكذا قوله : { وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ } قد كتب الملك الذي يُوَكَّل به رزقَه وأجَلَه وعمله ، وشقي أم سعيد .

قال مكحول : كنا أجنة في بطون أمهاتنا ، فسقط منا من سقط ، وكنا فيمن بقي ، ثم كنا مراضع فهلك منا من هلك . وكنا فيمن بقي ثم صرنا يَفَعَةً ، فهلك منا من هلك . وكنا فيمن بقي ثم صرنا شبابًا فهلك منا من هلك . وكنا فيمن بقي ثم صرنا شيوخا - لا أبا لك - فماذا بعد هذا ننتظر ؟{[27695]} رواه ابن أبي حاتم عنه .

وقوله : { فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ } أي : تمدحوها وتشكروها وتمنوا بأعمالكم ، { هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } ، كما قال : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا } [ النساء : 49 ] .

وقال مسلم في صحيحه : حدثنا عَمْرو الناقد ، حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن محمد بن عمرو بن عطاء قال : سميت ابنتي بَرّةَ ، فقالت لي زينب بنت أبي سلمة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا الاسم ، وسميت بَرَّة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تزكوا أنفسكم ، إن الله أعلم بأهل البر منكم " . فقالوا : بم نسميها ؟ قال : " سموها زينب " {[27696]} .

وقد ثبت أيضا في الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال : حدثنا عفان ، حدثنا وهيب ، حدثنا خالد الحَذَّاء ، عن عبد الرحمن بن أبي بكْرَة ، عن أبيه قال : مدح رَجُلٌ رجلا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ويلك ! قطعت عُنُقَ صاحبك - مرارًا - إذا كان أحدكم مادحا صاحبه لا محالة فليقل : أحسب فلانا - والله حسيبه ، ولا أزكي على الله أحدا - أحسبه كذا وكذا ، إن كان يعلم ذلك " {[27697]} .

ثم رواه عن غُنْدَر ، عن شعبة ، عن خالد الحذاء ، به . وكذا رواه البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، وابن ماجه ، من طرق ، عن خالد الحذاء ، به{[27698]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، وعبد الرحمن قالا حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن همام بن الحارث قال : جاء رجل إلى عثمان فأثنى عليه في وجهه ، قال : فجعل المقداد بن الأسود يحثو في وجهه التراب ويقول : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقينا المداحين أن نحثو في وجوههم التراب .

ورواه مسلم وأبو داود من حديث الثوري ، عن منصور ، به {[27699]} .


[27679]:- (1) في م: "معمر بن أرطأة" وزيادة "ابن أرطأة" خطأ. انظر: تعليق أحمد شاكر على المسند على المسند حديث رقم (7705).
[27680]:- (2) المسند (2/276) وصحيح البخاري برقم (6612) وصحيح مسلم برقم (2657).
[27681]:- (3) في أ: "أبو".
[27682]:- (4) تفسير الطبري (27/39).
[27683]:- (1) تفسير الطبري (27/39).
[27684]:- (2) في م: "أي".
[27685]:- (3) سنن الترمذي برقم (3284) وتفسير البغوي (7/128).
[27686]:- (4) في م: "فتلك" وفي أ: "فعلك".
[27687]:- (5) تفسير الطبري (27/39).
[27688]:- (6) في أ: "جريج".
[27689]:- (1) في م، أ: "الزنا".
[27690]:- (2) في م: "من".
[27691]:- (3) في أ: "الزنا".
[27692]:- (4) في م: "فهو".
[27693]:- (5) في م، أ: "ستصدر".
[27694]:- (6) في أ: "فريقا في الجنة وفريقا في السعير".
[27695]:- (7) في م، أ: "ينتظر".
[27696]:- (1) صحيح مسلم برقم (2142).
[27697]:- (2) المسند (5/45).
[27698]:- (3) المسند (5/41) وصحيح البخاري برقم (2662) وصحيح مسلم برقم (3000) وسنن أبي داود برقم (4805) وسنن ابن ماجه برقم (3744).
[27699]:- (4) صحيح مسلم برقم (3002) وسنن أبي داود برقم (4804).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ إِنَّ رَبَّكَ وَٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ هُوَ أَعۡلَمُ بِكُمۡ إِذۡ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَإِذۡ أَنتُمۡ أَجِنَّةٞ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡۖ فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ} (32)

قوله : { الذين } نعت ل { الذين } [ النجم : 31 ] المتقدم قبله ، و : { يجتنبون } معناه : يدعون جانباً . وقرأ جمهور القراء والناس : «كبائر الإثم » وقرأ ابن وثاب وطلحة والأعمش وعيسى وحمزة والكسائي : «كبير الإثم » على الإفراد الذي يراد به الجمع وهذا كقوله : { فما لنا من شافعين ولا صديق حميم }{[10710]} [ الشعراء : 100 ] ، وكقوله : { وحسن أولئك رفيقاً }{[10711]} [ النساء : 69 ] ونحو هذا .

واختلف الناس في الكبائر ما هي ؟ فذهب الجمهور إلى أنها السبع الموبقات التي وردت في الأحاديث وقد مضى القول في ذكرها واختلاف الأحاديث فيها في سورة النساء . وتحرير القول في الكبائر أنها كل معصية يوجد فيها حد في الدنيا ، أو توعد بنار في الآخرة ، أو لعنة ونحو هذا خاصاً بها فهي كثيرة العدد ، ولهذا قال ابن عباس حين قيل له أسبع هي ؟ فقال : هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع . وقال زيد بن أسلم : «كبير الإثم » هنا يراد به : الكفر . و { الفواحش } هي المعاصي المذكورة .

وقوله : { إلا اللمم } هو استثناء يصح أن يكون متصلاً ، وإن قدرته منقطعاً ساغ ذلك ، واختلف في معنى { اللمم } فقال ابن عباس وابن زيد معناه : ما ألموا به من الشرك والمعاصي في الجاهلية قبل الإسلام . قال الثعلبي عن ابن عباس وزيد بن ثابت وزيد بن أسلم وابنه : إن سبب الآية أن الكفار قالوا للمسلمين : قد كنتم بالأمس تعملون أعمالنا ، فنزلت الآية وهي مثل قوله تعالى : { وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف }{[10712]} [ النساء : 23 ] وقال ابن عباس وغيره : ما ألموا من المعاصي الفلتة والسقطة دون دوام ثم يتوبون منه ، ذكر الطبري عن الحسن أنه قال في اللمة : من الزنا والسرقة والخمر ثم لا يعود .

قال القاضي أبو محمد : وهذا كالذي قبله ، فكأن هذا التأويل يقتضي الرفق بالناس في إدخالهم في الوعد بالحسنى ، إذ الغالب في المؤمنين مواقعة المعاصي ، وعلى هذا أنشدوا وقد تمثل به النبي صلى الله عليه وسلم : [ الرجز ]

إن تغفر اللهم تغفر جما*** وأي عبد لك لا ألما{[10713]}

وقال أبو هريرة وابن عباس والشعبي وغيرهم : { اللمم } صغار الذنوب التي بين الحدين الدنيا والآخرة وهي ما لا حد فيه ولا وعيد مختصاً بها مذكوراً لها ، وإنما يقال صغار بالإضافة إلى غيرها ، وإلا فهي بالإضافة إلى الناهي عنها كبائر كلها ، ويعضد هذا القول ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا لا محالة ، فزنى العين : النظر ، وزنى اللسان : المنطق ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه فإن تقدم فرجه فهو زان ، وإلا فهو اللمم »{[10714]} وروي أن هذه الآية نزلت في نبهان التمار{[10715]} فالناس لا يتخلصون من مواقعة هذه الصغائر ولهم مع ذلك الحسنى إذا اجتنبوا التي هي في نفسها كبائر .

وتظاهر العلماء في هذا القول ، وكثر المائل إليه . وذكر الطبري عن عبد الله بن عمرو بن العاصي أنه قال : { اللمم } ما دون الشرك ، وهذا عندي لا يصح عن عبد الله بن عمرو . وذكر المهدوي عن ابن عباس والشعبي : { اللمم } ما دون الزنا . وقال نفطويه : { اللمم } ما ليس بمعتاد . وقال الرماني : { اللمم } الهم بالذنب وحديث النفس به دون أن يواقع . وحكى الثعلبي عن سعيد بن المسيب : أنه ما خطر على القلب ، وذلك هو لمة الشيطان . قال الزهراوي وقيل : { اللمم } نظرة الفجأة ، وقاله الحسين بن الفضل . ثم أنس تعالى بعد هذا بقوله : { إن ربك واسع المغفرة } .

وقوله تعالى : { هو أعلم بكم } الآية ، روي عن عائشة أنها نزلت بسبب قوم من اليهود كانوا يعظمون أنفسهم ويقولون للطفل إذا مات لهم هذا صديق عند الله ، ونحو هذا من الأقاويل المتوهمة ، فنزلت الآية فيهم{[10716]} ، ثم هي بالمعنى عامة جميع البشر ، وحكى الثعلبي عن الكلبي ومقاتل أنها نزلت في قوم من المؤمنين فخروا بأعمالهم ، وقوله : { أعلم بكم } قال مكي بن أبي طالب في المشكل معناه : هو عالم بكم . وقال جمهور أهل المعاني : بل هو التفضيل بالإطلاق ، أي هو أعلم من الموجودين جملة ، والعامل في { إذ } { أعلم } ، وقال بعض النحاة العامل فيه فعل مضمر تقديره : اذكروا إذ ، والمعنى الأول أبين ، لأن تقديره : فإذا كان علمه قد أحاط بكم وأنتم في هذه الأحوال فأحرى أن يقع بكم وأنتم تعقلون وتجترحون ، والإنشاء من الأرض : يراد به خلق آدم عليه السلام ، ويحتمل أن يراد به إنشاء الغذاء . و : { أجنة } جمع جنين .

وقوله : { فلا تزكوا أنفسكم } ظاهره النهي عن أن يزكي نفسه ، ويحتمل أن يكون نهياً عن أن يزكي بعض الناس بعضاً وإذا كان هذا فإنما ينهى عن تزكية السمعة والمدح للدنيا والقطع بالتزكية ، ومن ذلك الحديث في عثمان بن مظعون عند موته{[10717]} . وأما تزكية الإمام والقدرة أحداً ليؤتم به أوليتهم الناس بالخير فجائز ، وقد زكى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه أبا بكر وغيره ، وكذلك تزكية الشهود في الحقوق جائزة للضرورة إليها ، وأصل التزكية إنما هو التقوى ، والله تعالى هو أعلم بتقوى الناس منكم .


[10710]:الآيتان (100)، (101) من سورة (الشعراء).
[10711]:من الآية(69) من سورة(النساء).
[10712]:من الآية(23) من سورة (النساء).
[10713]:يُنسب هذا البيت إلى أمية بن أبي الصلت، على أنه قاله عند احتضاره، والجَمّ: الكثير، وألم الرجل: من اللمم وهو صغار الذنوب، أو هو مقاربة المعصية دون مواقعة، والأول هو المناسب لمعنى البيت، وهو موضع الشاهد هنا، وقد نسب هذا البيت مع بيت آخر قبله إلى أبي خراش، قيل إنه مر يسعى بين الصفا والمروة وهو يقول: لا همّ هذا خامس وإن تما أتمه الله وقد أتما إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألما؟ وقد ذكر ذلك صاحب اللسان نقلا عن ابن بري، وقد أخرج سعيد بن منصور، والترمذيوصححه، والبزار، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:{إلا اللمم}، قال: هو الرجل يلم بالفاحشة ثم يتوب منها، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن تغفر اللهم تغفر جما، وأي عبد لك لا ألما)؟ ذكر ذلك الإمام السيوطي في الدر المنثور، وهذا هو الذي أشار إليه ابن عطية بقوله:"وقد تمثل به النبي صلى الله عليه وسلم".
[10714]:أخرجه عبد الرزاق، وسيد بن منصور، وأحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في سننه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(إن الله كتب على ابن آدم***)الحديث.(الدر المنثور).
[10715]:وكان لنبهان هذا حانوت يبيع فيه تمرا، فجاءت امرأة تشتري منه تمرا، فقال لها: إن الداخل الدكان ما هو خير من هذا، فلما دخلت راودها فأبت وانصرفت، فندم نبهان وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: ما من شيء يصنعه الرجل إلا وقد فعلته إلا الجماع، فقال:(لعل زوجها غاز)؟ وفي رواية عن أبي اليسر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له:(أخلفتَ غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا؟) حتى تمنى-أي نبهان- أنه لم يكن أسلم إلا تلك الساعة، حتى ظن أنه من أهل النار، قال: وأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أوحى الله إليه{أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين}، قال أبو اليسر: فأتيته فقرأها علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أصحابه: يا رسول الله! ألهذا خاصة أم للناس عامة؟ فقال: (بل للناس عامة)، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وفي الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
[10716]:اخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو نعيم في المعرفة، وابن مردويه، والواحدي، عن ثابت بن الحارث الأنصاري، قال: كانت اليهود إذا هلك لهم صبي صغير قالوا: هذا صِدّيق، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(كذبت اليهود، ما من نسمة يخلقها الله في بطن أمها إلا أنه شقي أو سعيد)، فأنزل الله عند ذلك:{هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض} الآية.(الدر المنثور).
[10717]:حديث عثمان بن مظعون أخرجه البخاري في الجنائز والتعبير، وأحمد في مسنده(6-436)، ولفظه كما في البخاري عن خارجة بن زيد بن ثابت أن أم العلاء-امرأة من الأنصار- بايعت النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرته أن اقتسم المهاجرون قُرعة، فطار لنا عثمان ابن مظعون، فأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الذي توفي فيه، فلما توفي وغسّل وكفن في أثوابه دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وما يدريك أن الله أكرمه؟ فقلت: بأبي أنت يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أما هو فقد جاءه اليقين، والله إني لأرجو له الخير، والله ما أدري-وأنا رسول الله- ما يُفعل بي، قالت: فوالله لا أزكي أحدا بعده أبدا.