المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ فَلَنۡ أَكُونَ ظَهِيرٗا لِّلۡمُجۡرِمِينَ} (17)

17- قال موسى متضرعاً : يا رب بحق إنعامك علىَّ بالحكمة والعلم وفقني للخير والصواب ، فإذا وفقتني فلن أكون عوناً للكافرين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ فَلَنۡ أَكُونَ ظَهِيرٗا لِّلۡمُجۡرِمِينَ} (17)

ف { قَالَ } موسى { رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ } بالتوبة والمغفرة ، والنعم الكثيرة ، { فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا } أي : معينا ومساعدا { لِلْمُجْرِمِينَ } أي : لا أعين أحدا على معصية ، وهذا وعد من موسى عليه السلام ، بسبب منة اللّه عليه ، أن لا يعين مجرما ، كما فعل في قتل القبطي . وهذا يفيد أن النعم تقتضي من العبد فعل الخير ، وترك الشر .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ فَلَنۡ أَكُونَ ظَهِيرٗا لِّلۡمُجۡرِمِينَ} (17)

وكأنما أحس موسى بقلبه المرهف وحسه المتوفز في حرارة توجهه إلى ربه ، أن ربه غفر له . والقلب المؤمن يحس بالاتصال والاستجابة للدعاء ، فور الدعاء ، حين يصل إرهافه وحساسيته إلى ذلك المستوى ؛ وحين تصل حرارة توجهه إلى هذا الحد . . وارتعش وجدان موسى - عليه السلام - وهو يستشعر الاستجابة من ربه ، فإذا هو يقطع على نفسه عهدا ، يعده من الوفاء بشكر النعمة التي أنعمها عليه ربه :

( قال : رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين ) . .

فهو عهد مطلق ألا يقف في صف المجرمين ظهيرا ومعينا . وهو براءة من الجريمة وأهلها في كل صورة من صورها . حتى ولو كانت اندفاعا تحت تأثير الغيظ ، ومرارة الظلم والبغي . ذلك بحق نعمة الله عليه في قبول دعائه ؛ ثم نعمته في القوة والحكمة والعلم التي آتاه الله من قبل . وهذه الإرتعاشة العنيفة ، وقبلها الإندفاع العنيف ، تصور لنا شخصية موسى - عليه السلام - شخصية انفعالية ، حارة الوجدان ، قوية الاندفاع . وسنلتقي بهذه السمة البارزة في هذه الشخصية في مواضع أخرى كثيرة .

بل نحن نلتقي بها في المشهد الثاني في هذه الحلقة مباشرة :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ فَلَنۡ أَكُونَ ظَهِيرٗا لِّلۡمُجۡرِمِينَ} (17)

{ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ } أي : بما جعلت لي من الجاه والعزة والمنعة { فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا } أي : معينا { لِلْمُجْرِمِينَ } أي : الكافرين بك ، المخالفين لأمرك .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ فَلَنۡ أَكُونَ ظَهِيرٗا لِّلۡمُجۡرِمِينَ} (17)

{ قال رب بما أنعمت علي } قسم محذوف الجواب أي اقسم بإنعامك علي بالمغفرة وغيرها لأتوبن . { فلن أكون ظهيرا للمجرمين } أو استعطاف أي بحق إنعامك على اعصمني فلن أكون معينا لمن أدت معاونته إلى جرم . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أنه لم يستثن فابتلي به مرة أخرى ، وقيل معناه بما انعمت علي من القوة أعين أولياءك فلن أستعملها في مظاهرة أعدائك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ فَلَنۡ أَكُونَ ظَهِيرٗا لِّلۡمُجۡرِمِينَ} (17)

إعادة { قال } أفاد تأكيداً لفعل { قال رب إني ظلمت نفسي } [ القصص : 16 ] . أعيد القول للتنبيه على اتصال كلام موسى حيث وقع الفصل بينه بجملتي { فغفر له إنه هو الغفور الرحيم } [ القصص : 16 ] . ونظم الكلام : قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي ، رب بما أنعمت فلن أكون ظهيراً للمجرمين ، وليس قوله { قال رب بما أنعمت علي } مستأنفاً عن قوله { فغفر له } [ القصص : 16 ] لأن موسى لم يعلم أن الله غفر له إذ لم يكن يوحى إليه يومئذ .

والباء للسببية في { بما أنعمت علي } و ( ما ) موصولة وحذف العائد من الصلة لأنه ضمير مجرور بمثل ما جرّ به الموصول ، والحذف في مثله كثير . والتقدير : بالذي أنعمت به عليّ . ويجوز أن تكون ( ما ) مصدرية وما صدق الإنعام عليه ، هو ما أوتيه من الحكمة والعلم فتميزت عنده الحقائق ولم يبق للعوائد والتقاليد تأثير على شعوره . فأصبح لا ينظر الأشياء إلا بعين الحقيقة ، ومن ذلك أن لا يكون ظهيراً وعوناً للمجرمين .

وأراد بالمجرمين من يتوسم منهم الإجرام ، وأراد بهم الذين يستذلون الناس ويظلمونهم لأن القبطي أذل الإسرائيلي بغصبه على تحميله الحطب دون رضاه .

ولعل هذا الكلام ساقه مساق الاعتبار عن قتله القبطي وثوقاً بأنه قتله خطأ .

واقتران جملة { فلن أكون ظهيراً للمجرمين } بالفاء لأن الموصول كثيراً ما يعامل معاملة اسم الشرط فيقترن خبره ومتعلقه بالفاء تشبيهاً له بجزاء الشرط وخاصة إذا كان الموصول مجروراً مقدّماً فإن المجرور المقدّم قد يقصد به معنى الشرطية فيعامل معاملة الشرط كقوله في الحديث ( كما تكونوا يول عليكم ) بجزم ( تكونوا ) وإعطائه جواباً مجزوماً . والظهير : النصير .

وقد دل هذا النظم على أن موسى أراد أن يجعل عدم مظاهرته للمجرمين جزاء على نعمة الحكمة والعلم بأن جعل شكر تلك النعمة الانتصار للحق وتغيير الباطل لأنه إذا لم يغير الباطل والمنكر وأقرهما فقد صانع فاعلهما ، والمصانعة مظاهرة . ومما يؤيد هذا التفسير أن موسى لما أصبح من الغد فوجد الرجل الذي استصرخه في أمسه يستصرخه على قبطي آخر أراد أن يبطش بالقبطي وفاء بوعده ربه إذ قال { فلن أكون ظهيراً للمجرمين } لأن القبطي مشرك بالله والإسرائيلي موحِّد .

وقد جعل جمهور من السلف هذه الآية حجة على منع إعانة أهل الجور في شيء من أمورهم . ولعل وجه الاحتجاج بها أن الله حكاها عن موسى في معرض التنويه به فاقتضى ذلك أنه من القول الحق .