المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ نَبَاتَ كُلِّ شَيۡءٖ فَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهُ خَضِرٗا نُّخۡرِجُ مِنۡهُ حَبّٗا مُّتَرَاكِبٗا وَمِنَ ٱلنَّخۡلِ مِن طَلۡعِهَا قِنۡوَانٞ دَانِيَةٞ وَجَنَّـٰتٖ مِّنۡ أَعۡنَابٖ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشۡتَبِهٗا وَغَيۡرَ مُتَشَٰبِهٍۗ ٱنظُرُوٓاْ إِلَىٰ ثَمَرِهِۦٓ إِذَآ أَثۡمَرَ وَيَنۡعِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمۡ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (99)

99- وهو الذي أنزل من السحاب ماء أخرج به نبات كل صنف ، فأخرج من النبات شيئاً غَضَّا طريَّا ، ونخرج منه حباً كثيراً بعضه فوق بعض ، ومن طلع النخل عراجين نخرجها محملة بالثمار سهلة التناول ، وأخرجنا كذلك بالماء جنات من الأعناب والزيتون والرمان ، ومنها ما هو متماثل الثمر في الشكل وغير متماثل في الطعم والرائحة ونوع الفائدة . انظروا في تدبر واعتبار إلى ثمره حين يثمر ، وإلى نضجه كيف تم بعد أطوار مختلفة ؟ إن في ذلك لدلائل لقوم ينشدون الحق ويؤمنون به ويذعنون له{[64]} .


[64]:توضح هذه الآية الكريمة في النباتات كيفية خلق تلك الثمار وكيف نشأت وتمت في أطوارها المختلفة حتى وصلت إلى طور نضجها الكامل بما تحويه من مركبات مختلفة من السكريات والزيوت والبروتينات والمواد الكربوايدراتية والنشويات. كل هذا يتكون في وجود ضوء الشمس عن طريق المادة الخضراء مادة اليخضور التي توجد عادة في المجوع الخضري للنباتات وخاصة الأوراق، فهي المصنع الذي تتكون فيه تلك المركبات ومنها توزع على باقي أجزاء النبات بما فيها البذور والثمار علاوة على أن الآية الكريمة تقطع بأن ماء المطر هو المصدر الوحيد للماء العذب على الأرض وطاقة الشمس هي مصدر طاقات الأحياء جميعا، ولكن النباتات هي التي تستطيع اختزان طاقة الشمس بواسطة مادة اليخضور وتسلمها للإنسان والحيوان في المواد الغذائية العضوية التي كونتها، وقد كشف العلم عن حقيقة باهرة تدل على وحدة الخالق وهي أن مادة الهيموجلوبين اللازمة لتنفس الإنسان وكثير من أنواع الحيوان وثيقة الصلة بمادة اليخضور فذرات الكربون والأيدروجين والأكسوجين والنيتروجين تكتنف ذرة الحديد في جزئ الهيموجلوبين بينما هي بنفسها تكتنف ذرة الماغنسيوم في جزئ اليخضور كما أنه اتضح من البحوث الطبية أن مادة اليخضور عندما يتمثلها جسم الإنسان تندمج في خلاياه فتقويها وتساعدها على القضاء على جراثيم الأمراض فتتيح لأنسجة الجسم فرصة الدفاع ومكافحة الأمراض. وفي آخر الآية الكريمة قوله تعالى: {انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه}. وفي هذه الإشارة سبق لعلم النبات الحديث فيما وصل إليه من الاعتماد في دراسته على مشاهدة الشكل الخارجي لأعضائه كافة في أدواره المختلفة.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ نَبَاتَ كُلِّ شَيۡءٖ فَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهُ خَضِرٗا نُّخۡرِجُ مِنۡهُ حَبّٗا مُّتَرَاكِبٗا وَمِنَ ٱلنَّخۡلِ مِن طَلۡعِهَا قِنۡوَانٞ دَانِيَةٞ وَجَنَّـٰتٖ مِّنۡ أَعۡنَابٖ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشۡتَبِهٗا وَغَيۡرَ مُتَشَٰبِهٍۗ ٱنظُرُوٓاْ إِلَىٰ ثَمَرِهِۦٓ إِذَآ أَثۡمَرَ وَيَنۡعِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمۡ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (99)

{ 99 } { وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

وهذا من أعظم مننه العظيمة ، التي يضطر إليها الخلق ، من الآدميين وغيرهم ، وهو أنه أنزل من السماء ماء متتابعا وقت حاجة الناس إليه ، فأنبت الله به كل شيء ، مما يأكل الناس والأنعام ، فرتع الخلق بفضل الله ، وانبسطوا برزقه ، وفرحوا بإحسانه ، وزال عنهم الجدب واليأس والقحط ، ففرحت القلوب ، وأسفرت الوجوه ، وحصل للعباد من رحمة الرحمن الرحيم ، ما به يتمتعون وبه يرتعون ، مما يوجب لهم ، أن يبذلوا جهدهم في شكر من أسدى النعم ، وعبادته والإنابة إليه ، والمحبة له .

ولما ذكر عموم ما ينبت بالماء ، من أنواع الأشجار والنبات ، ذكر الزرع والنخل ، لكثرة نفعهما وكونهما قوتا لأكثر الناس فقال : { فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ } أي : من ذلك النبات الخضر ، { حَبًّا مُتَرَاكِبًا } بعضه فوق بعض ، من بر ، وشعير ، وذرة ، وأرز ، وغير ذلك ، من أصناف الزروع ، وفي وصفه بأنه متراكب ، إشارة إلى أن حبوبه متعددة ، وجميعها تستمد من مادة واحدة ، وهي لا تختلط ، بل هي متفرقة الحبوب ، مجتمعة الأصول ، وإشارة أيضا إلى كثرتها ، وشمول ريعها وغلتها ، ليبقى أصل البذر ، ويبقى بقية كثيرة للأكل والادخار .

{ وَمِنَ النَّخْلِ } أخرج الله { مِنْ طَلْعِهَا } وهو الكفرى ، والوعاء قبل ظهور القنو منه ، فيخرج من ذلك الوعاء { قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ } أي : قريبة سهلة التناول ، متدلية على من أرادها ، بحيث لا يعسر التناول من النخل وإن طالت ، فإنه يوجد فيها كرب ومراقي ، يسهل صعودها .

{ و } أخرج تعالى بالماء { جنات مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ } فهذه من الأشجار الكثيرة النفع ، العظيمة الوقع ، فلذلك خصصها الله بالذكر بعد أن عم جميع الأشجار والنوابت .

وقوله { مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ } يحتمل أن يرجع إلى الرمان والزيتون ، أي : مشتبها في شجره وورقه ، غير متشابه في ثمره .

ويحتمل أن يرجع ذلك ، إلى سائر الأشجار والفواكه ، وأن بعضها مشتبه ، يشبه بعضه بعضا ، ويتقارب في بعض أوصافه ، وبعضها لا مشابهة بينه وبين غيره ، والكل ينتفع به العباد ، ويتفكهون ، ويقتاتون ، ويعتبرون ، ولهذا أمر تعالى بالاعتبار به ، فقال : { انْظُرُوا } نظر فكر واعتبار { إِلَى ثَمَرِهِ } أي : الأشجار كلها ، خصوصا : النخل { إذا أثمر }

{ وَيَنْعِهِ } أي : انظروا إليه ، وقت إطلاعه ، ووقت نضجه وإيناعه ، فإن في ذلك عبرا وآيات ، يستدل بها على رحمة الله ، وسعة إحسانه وجوده ، وكمال اقتداره وعنايته بعباده .

ولكن ليس كل أحد يعتبر ويتفكر وليس كل من تفكر ، أدرك المعنى المقصود ، ولهذا قيد تعالى الانتفاع بالآيات بالمؤمنين فقال : { إِنَّ فِي ذَلِكَم لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } فإن المؤمنين يحملهم ما معهم من الإيمان ، على العمل بمقتضياته ولوازمه ، التي منها التفكر في آيات الله ، والاستنتاج منها ما يراد منها ، وما تدل عليه ، عقلا ، وفطرة ، وشرعا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ نَبَاتَ كُلِّ شَيۡءٖ فَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهُ خَضِرٗا نُّخۡرِجُ مِنۡهُ حَبّٗا مُّتَرَاكِبٗا وَمِنَ ٱلنَّخۡلِ مِن طَلۡعِهَا قِنۡوَانٞ دَانِيَةٞ وَجَنَّـٰتٖ مِّنۡ أَعۡنَابٖ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشۡتَبِهٗا وَغَيۡرَ مُتَشَٰبِهٍۗ ٱنظُرُوٓاْ إِلَىٰ ثَمَرِهِۦٓ إِذَآ أَثۡمَرَ وَيَنۡعِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمۡ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (99)

95

ثم يمضي السياق إلى مشاهد الحياة المتفتحة في جنيات الأرض . تراها الأعين ، وتستجليها الحواس ، وتتدبرها القلوب . وترى فيها بدائع صنع الله . . والسياق يعرضها - كما هي في صفحة الكون - ويلفت إليها النظر في شتى أطوارها ، وشتى أشكالها ، وشتى أنواعها ؛ ويلمس الوجدان بما فيها من حياة نامية ، ودلالة على القدرة التي تبدع الحياة ؛ كما يوجه القلب إلى استجلاء جمالها والاستمتاع بهذا الجمال :

( وهو الذي أنزل من السماء ماء ، فأخرجنا به نبات كل شيء . فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا . ومن النخل من طلعها قنوان دانية . وجنات من أعناب والزيتون والرمان ، مشتبها وغير متشابه . انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه . إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون ) . .

والماء كثيرا ما يذكر في القرآن في صدد ذكر الحياة والإنبات .

( وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء ) . .

ودور الماء الظاهر في إنبات كل شيء دور واضح يعلمه البدائي والمتحضر ، ويعرفه الجاهل والعالم . . ولكن دور الماء في الحقيقة أخطر وأبعد مدى من هذا الظاهر الذي يخاطب به القرآن الناس عامة . فقد شارك الماء ابتداء - بتقدير الله - في جعل تربة الأرض السطحية صالحة للإنبات [ إذا صحت النظريات التي تفترض أن سطح الأرض كان في فترة ملتهبا ، ثم صلبا لا توجد فيه التربة التي تنبت الزرع ، ثم تم ذلك بتعاون الماء والعوامل الجوية على تحويلها إلى تربة لينة ] ثم ظل الماء يشارك في إخصاب هذه التربة ، وذلك بإسقاط [ النتروجين - الأزوت ] من الجو كلما أبرق فاستخلصت الشرارة الكهربائية ، التي تقع في الجو ، النتروجين الصالح للذوبان في الماء ويسقط مع المطر ، ليعيد الخصوبة إلى الأرض . . وهو السماد الذي قلد الإنسان القوانين الكونية في صنعه ، فأصبح يصنعه الآن بنفس الطريقة ! وهو المادة التي يخلو وجه الأرض من النبات لو نفدت من التربة !

( فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا . ومن النخل من طلعها قنوان دانية . وجنات من أعناب . والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه ) . .

وكل نبت يبدأ أخضر . واللفظ ( خضر ) أرق ضلا ، وأعمق ألفة من لفظ " أخضر " . . هذا النبت الخضر ( يخرج منه حبا متراكبًا ) . . كالسنابل وأمثالها . ( ومن النخل من طلعها قنوان دانية ) . . وقنوان جمع قنو وهو الفرع الصغير . وفي النخلة هو العذق الذي يحمل الثمر . ولفظة ( قنوان ) ووصفها( دانية ) يشتركان في إلقاء ظل لطيف أليف . وظل المشهد كله ظل وديع حبيب . . ( وجنات من أعناب ) . . ( والزيتون والرمان ) . هذا النبات كله بفصائله وسلالاته – ( مشتبها وغير متشابه )- ( انظروا إلى ثمرة إذا أثمر وينعه ) . . انظروا بالحس البصير ، والقلب اليقظ . . انظروا إليه في ازدهاره ، وازدهائه ، عند كمال نضجه . انظروا إليه واستمتعوا بجماله . . لا يقول هنا ، كلوا من ثمره إذا أثمر ، ولكن يقول : ( انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه ) لأن المجال هنا مجال جمال ومتاع ، كما أنه مجال تدبر في آيات الله ، وبدائع صنعته في مجالي الحياة .

( إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون ) . .

فالإيمان هو الذي يفتح القلب ، وينير البصيرة ، وينبه أجهزة الاستقبال والاستجابة في الفطرة ، ويصل الكائن الإنساني بالوجود ، ويدعو الوجدان إلى الإيمان بالله خالق الجميع . . وإلا فإن هناك قلوبا مغلقة ، وبصائر مطموسة ، وفطرا منتكسة ، تمر بهذا الإبداع كله ، وبهذه الآيات كلها ، فلا تحس بها ولا تستجيب . . ( إنما يستجيب الذين يسمعون ) ، وإنما يدرك هذه الآيات الذين يؤمنون !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ نَبَاتَ كُلِّ شَيۡءٖ فَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهُ خَضِرٗا نُّخۡرِجُ مِنۡهُ حَبّٗا مُّتَرَاكِبٗا وَمِنَ ٱلنَّخۡلِ مِن طَلۡعِهَا قِنۡوَانٞ دَانِيَةٞ وَجَنَّـٰتٖ مِّنۡ أَعۡنَابٖ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشۡتَبِهٗا وَغَيۡرَ مُتَشَٰبِهٍۗ ٱنظُرُوٓاْ إِلَىٰ ثَمَرِهِۦٓ إِذَآ أَثۡمَرَ وَيَنۡعِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمۡ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (99)

وقوله : { وَهُوَ الَّذِي أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً } أي بقدر مباركًا ، رزقًا للعباد وغياثًا{[10988]} للخلائق ، رحمة من الله لخلقه { فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ } كَمَا قَالَ { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } [ الأنبياء : 30 ]{ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا } أي : زرعًا وشجرًا أخضر ، ثم بعد ذلك يخلق فيه الحب والثمر ؛ ولهذا قال : { نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا } أي : يركب بعضه بعضا ، كالسنابل ونحوها { وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ } أي : جمع قِنو وهي عُذُوق الرّطب { دَانِيَةٌ } أي : قريبة من المتناول ، كما قال علي بن أبي طلحة الوالبي ، عن ابن عباس : { قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ } يعني بالقنوان الدانية : قصار النخل اللاصقة عذوقها{[10989]} بالأرض . رواه ابن جرير .

قال ابن جرير : وأهل الحجاز يقولون : قِنْوان ، وقيس يقولون : قُنْوان ، وقال امرؤ القيس :

فَأَثَّت أعاليه وآدت أصولهُ *** ومَالَ بقنْوانٍ من البُسر أحْمَرَا

قال : وتميم يقولون{[10990]} قُنْيَان بالياء - قال : وهي جمع قنو ، كما أن صنوان جمع صنو{[10991]}

وقوله : { وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ } أي : ونخرج منه جنات من أعناب ، وهذان النوعان هما أشرف عند أهل الحجاز ، وربما كانا{[10992]} خيار الثمار في الدنيا ، كما امتن تعالى بهما على عباده ، في قوله : { وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } [ النحل : 67 ] ، وكان ذلك قبل تحريم الخمر .

وقال : { وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ } [ يس : 34 ] .

وقوله : { وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ } قال قتادة وغيره : يتشابه في الورق ، قريب الشكل بعضه من بعض ، ويتخالف في الثمار شكلا وطعما وطبعا .

وقوله : { انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ } أي : نضجه ، قاله البراء بن عازب ، وابن عباس ، والضحاك ، وعطاء الخراساني ، والسُّدِّي ، وقتادة ، وغيرهم . أي : فكروا في قُدْرة خالقه من العدم إلى الوجود ، بعد أن كان حَطَبًا صار عِنبًا ورطبًا وغير ذلك ، مما خلق تعالى من الألوان والأشكال والطعوم والروائح ، كما قال تعالى : { وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأكُلِ [ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ]{[10993]} } [ الرعد : 4 ] ولهذا قال هاهنا { إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ } أي : دلالات على كمال قدرة خالق هذه الأشياء وحكمته ورحمته { لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي : يصدقون به ، ويتبعون رسله .


[10988]:في أ: "غياثا".
[10989]:في م: "عروقها".
[10990]:في أ: "تقول".
[10991]:البيت في تفسير الطبري (11/575) ولسان العرب، مادة (قنا).
[10992]:في م: "أنهما".
[10993]:زيادة من م، وفي هـ: "الآية".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ نَبَاتَ كُلِّ شَيۡءٖ فَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهُ خَضِرٗا نُّخۡرِجُ مِنۡهُ حَبّٗا مُّتَرَاكِبٗا وَمِنَ ٱلنَّخۡلِ مِن طَلۡعِهَا قِنۡوَانٞ دَانِيَةٞ وَجَنَّـٰتٖ مِّنۡ أَعۡنَابٖ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشۡتَبِهٗا وَغَيۡرَ مُتَشَٰبِهٍۗ ٱنظُرُوٓاْ إِلَىٰ ثَمَرِهِۦٓ إِذَآ أَثۡمَرَ وَيَنۡعِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمۡ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (99)

{ وهو الذي أنزل من السماء ماء } من السحاب أو من جانب السماء . { فأخرجنا } على تلوين الخطاب . { به } بالماء . { نبات كل شيء } نبت كل صنف من النبات والمعنى : إظهار القدرة في إنبات الأنواع المختلفة المفننة المسقية بماء واحد كما في قوله سبحانه وتعالى : { يسقى بماء واحد } ونفضل بعضها على بعض في الأكل . { فأخرجنا منه } من النبات أو الماء . { خضرا } شيئا أخضر يقال أخضر وخضر كأعور وعور ، وهو الخارج من الحبة المتشعب . { نخرج منه } من الخضر . { حبا متراكبا } وهو السنبل . { ومن النخل من طلعها قنوان } أي وأخرجنا من النخل نخلا من طلعها قنوان ، أو من النخل شيء من طلعها قنوان ، ويجوز أن يكون من النخل خبر قنوان ومن طلعها بدل منه والمعنى : وحاصلة من طلع النخل قنوان وهو الأعذاق جمع قنو كصنوان جمع صنو . وقرئ بضم القاف كذئب وذؤبان وبفتحها على أنه اسم جمع إذ ليس فعلان من أبنية الجمع . { دانية } قريبة من المتناول ، أو متلفة قريب بعضها من بعض ، وإنما اقتصر على ذكرها عن مقابلها لدلالتها عليه وزيادة النعمة فيها . { وجنات من أعناب } عطف على نبات كل شيء . وقرأ نافع بالرفع على الابتداء أي ولكم أو ثم جنات أو من الكرم جنات ، ولا يجوز عطفه على { قنوان } إذ العنب لا يخرج من النخل . { والزيتون والرمان } أيضا عطف على نبات أو نصب على الاختصاص لعزة هذين الصنفين عندهم . { مشتبها وغير متشابه } حال من الرمان ، أو من الجميع أي بعض ذلك متشابه وبعضه غير متشابه في الهيئة والقدر واللون والطعم . { انظروا إلى ثمره } أي ثمر كل واحد من ذلك . وقرأ حمزة والكسائي بضم التاء والميم ، وهو جمع ثمرة كخشبة وخشب ، أو ثمار ككتاب وكتب . { إذا أثمر } إذا أخرج ثمره كيف يثمر ضئيلا لا يكاد ينتفع به . { وينعه } وإلى حال نضجه أو إلى نضيجة كيف يعود ضخما ذا نفع ولذة ، وهو في الأصل مصدر ينعت الثمر إذا أدركت . وقيل جمع يانع كتاجر وتجر . وقرئ بالضم وهو لغة فيه ويانعة . { إن في ذلك لآيات قوم يؤمنون } أي لآيات دالة على وجود القادر الحكيم وتوحيده ، فإن حدوث الأجناس المختلفة والأنواع المتفننة من أصل واحد ونقلها من حال إلى حال لا يكون إلا بإحداث قادر يعلم تفاصيلها ، ويرجح ما يقتضيه حكمته مما يمكن من أحوالها ولا يعوقه عن فعله ند يعارضه أو ضد يعانده . ولذلك عقبه بتوبيخ من أشرك به والرد عليه فقال : { وجعلوا لله شركاء الجن }

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ نَبَاتَ كُلِّ شَيۡءٖ فَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهُ خَضِرٗا نُّخۡرِجُ مِنۡهُ حَبّٗا مُّتَرَاكِبٗا وَمِنَ ٱلنَّخۡلِ مِن طَلۡعِهَا قِنۡوَانٞ دَانِيَةٞ وَجَنَّـٰتٖ مِّنۡ أَعۡنَابٖ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشۡتَبِهٗا وَغَيۡرَ مُتَشَٰبِهٍۗ ٱنظُرُوٓاْ إِلَىٰ ثَمَرِهِۦٓ إِذَآ أَثۡمَرَ وَيَنۡعِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمۡ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (99)

{ السماء } في هذا الموضع السحاب ، وكل ما أظلك فهو سماء ، و { ماء } أصله موه تحركت الواو وانفتح ما قبلها فجاء ماه فبدلت الهاء بالهمزة لأن الألف والهاء ضعيفان مهموسان ، وقوله : { نبات كل شيء } قال بعض المفسرين أي مما ينبت ، وحسن إطلاق العموم في { كل شيء } لأن ذكر النبات قبله قد قيد المقصد وقال الطبري والمراد ب { كل شيء } ما ينمو من جميع الحيوانات والنبات والمعادن وغير ذلك ، لأن ذلك كله يتغذى وينمو بنزول الماء من السماء ، والضمير في { منه } يعود على النبات ، وفي الثاني يعود على الخضر ، و { خضراً } بمعنى أخضر ، ومنه قوله عليه السلام : «الدنيا خضرة حلوة »{[5031]} بمعنى خضراء .

قال القاضي أبو محمد : وكأن «خضراً » إنما يأتي أبداً لمعنى النضارة وليس للون فيه مدخل ، وأخضر إنما تمكنه في اللون ، وهو في النضارة تجوز ، وقوله : { حباً متراكباً } يعم جميع السنابل وما شاكلها كالصنوبر ، والرمان وغيرها من جميع النبات ، وقوله تعالى : { ومن النخل } تقديره ونخرج من النخل و { من طلعها قنوان } ابتداء خبره مقدم ، والجملة في موضع المفعول بنخرج ، و «الطلع » أول ما يخرج من النخلة في أكمامه ، و { قنوان } جمع قنو وهو العِذق بكسر العين وهي الكباسة ، والعرجون : عوده الذي ينتظم التمر ، قرأ الأعرج «قنوان » بفتح القاف ، وقال أبو الفتح ينبغي أن يكون اسماً للجمع غير مكسر لأن فعلان ليس من أمثلة الجمع قال المهدوي : وروي عن الأعرج ضم القاف ، وكذلك أنه جمع «قُنو » بضم القاف ، قال الفراء وهي لغة قيس وأهل الحجاز ، والكسر أشهر في العرب ، وقنو يثنى قنوان منصرفة النون ، و { دانية } معناه قريبة من المتناول ، قاله ابن عباس والبراء بن عازب والضحاك وقيل قريبة بعضها من بعض ، وقرأ الجمهور «وجناتٍ » بنصب جَنات عطفاً على قوله نبات ، وقرأ الأعمش ومحمد بن أبي ليلى ورويت عن أبي بكر عن عاصم «وجناتٌ » بالرفع على تقدير ولكم جنات أو نحو هذا ، وقال الطبري وهو عطف على قنوان .

قال القاضي أبو محمد : وقوله ضعيف{[5032]} و{ الزيتون والرمان } بالنصب إجماعاً عطفاً على قوله : { حباً } ، { ومشتبها وغير متشابه } قال قتادة : معناه تتشابه في اللون وتتباين في الثمر ، وقال الطبري : جائز أن تتشابه في الثمر وتتباين في الطعم ، ويحتمل أن يريد تتشابه في الطعم وتتباين في المنظر ، وهذه الأحوال موجودة بالاعتبار في أنواع الثمرات ، وقوله تعالى : { انظروا } وهو نظر بصر يترتب عليه فكرة قلب ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وعاصم «إلى ثَمَره » بفتح الثاء والميم وهو جمع ثمرة كبقرة وبقر وشجرة وشجر ، وقرأ يحيى بن وثاب ومجاهد «ثُمُره » بضم الثاء والميم قالا وهي أصناف المال .

قال القاضي أبو محمد : كأن المعنى انظروا إلى الأموال التي تتحصل منه ، وهي قراءة حمزة والكسائي ، قال أبو عليك والأحسن فيه أن يكون جمع ثمره كخشبة وخشب وأكمة وأكم ، ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** تَرَى الأكْمَ فيهِ سُجَّداً لِلْحَوافِرِ{[5033]}

نظيره في المعتل لابة ولوب وناقة ونوق وساحة وسوح .

ويجوز أن يكون جمع جمع فتقول ثمرة وثمار وثمر مثل حمار وحمر ، وقرأت فرقة «إلى ثُمْره » بضم الثاء وإسكان الميم كأنها ذهبت إلى طلب الخفة في تسكين الميم ، والثمر في اللغة جنى الشجر وما يطلع ، وإن سمي الشجر ثماراً فتجوز ، وقرأ جمهور الناس و «يَنعه » بفتح الياء وهو مصدر ينع يينع إذا نضج ، يقال ينع وأينع وبالنضج فسر ابن عباس هذه الآية ومنه قول الحجاج «إني لأرى رؤوساً قد أينعت » ويستعمل ينع بمعنى استقل واخضر ناضراً ، ومنه قول الشاعر : [ المديد ]

في قبابٍ حَوْلَ دَسْكَرَة حَوْلَها الزّيْتُونُ قَدْ يَنَعَا{[5034]}

وقيل في { ينعه } إنه جمع يانع مثل في تاجر وتجر وراكب وركب ذكره الطبري ، وقرأ ابن محيصن وقتادة والضحاك «ويُنعه » بضم الياء أي نضجه ، وقرأ ابن أبي عبلة واليماني . «ويانعه » ، وقوله { إن في ذلكم لآيات } إيجاب تنبيه وتذكير وتقدم تفسير مثله .


[5031]:- روى الدارمي في سننه أن حكيم بن حزام قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا حكيم، إن هذا المال خضر حلو فمن أخذه بسخاوة نفس بورك فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى. (جـ2، ص 310)، ورواه ابن ماجة والإمام أحمد.
[5032]:- فسّر هذا الضعف أبو البقاء فقال: "لا يجوز أن يكون معطوفا على [قنوان] لأن العنب لا يخرج من النخل.
[5033]:- لم نعثر على نسبة هذا الشعر لقائله فيما لدينا من المراجع.
[5034]:- قال في (اللسان) مادة (ينع): "وفي حديث خبّاب: ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها. أينع يونع وينع يينع: أدرك ونضج، وأينع أكثر استعمالا، وقرئ: وَينعه وُينعه ويانعه، قال الشاعر" :وذكر البيت، ثم قال: "قال ابن بري: هو للأحوص، أو يزيد بن معاوية، أو عبد الرحمن بن حسان، والينع: النضج، وفي التنزيل: (انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه).