المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَقَالَ إِنِّيٓ أَحۡبَبۡتُ حُبَّ ٱلۡخَيۡرِ عَن ذِكۡرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ} (32)

فقال سليمان : إني أشربت حب الخيل - لأنها عدة الخير وهو الجهاد في سبيل الله - حبا ناشئاً عن ذكر ربي ، وما زال مشغولا بعرضها حتى غابت الشمس عن ناظريه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَقَالَ إِنِّيٓ أَحۡبَبۡتُ حُبَّ ٱلۡخَيۡرِ عَن ذِكۡرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ} (32)

فقال ندما على ما مضى منه ، وتقربا إلى اللّه بما ألهاه عن ذكره ، وتقديما لحب اللّه على حب غيره : { إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ } وضمن { أحببت } معنى { آثرت } أي : آثرت حب الخير ، الذي هو المال عموما ، وفي هذا الموضع المراد الخيل { عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَقَالَ إِنِّيٓ أَحۡبَبۡتُ حُبَّ ٱلۡخَيۡرِ عَن ذِكۡرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ} (32)

17

والإشارتان الواردتان هنا عن الصافنات الجياد وهي الخيل الكريمة . وعن الجسد الذي ألقي على كرسي سليمان . . كلتاهما إشارتان لم تسترح نفسي لأي تفسير أو رواية مما احتوته التفاسير والروايات عنهما . فهي إما إسرائيليات منكرة ، وإما تأويلات لا سند لها . ولم أستطع أن أتصور طبيعة الحادثين تصوراً يطمئن إليه قلبي ، فأصوره هنا وأحكيه . ولم أجد أثراً صحيحاً أركن إليه في تفسيرهما وتصويرهما سوى حديث صحيح . صحيح في ذاته ولكن علاقته بأحد هذين الحادثين ليست أكيدة . هذا الحديث هو ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأخرجه البخاري في صحيحه مرفوعاً . ونصه : قال سليمان : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة . كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله . ولم يقل : إن شاء الله . فطاف عليهن فلم يحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل . والذي نفسي بيده ، لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون . . وجائز أن تكون هذه هي الفتنة التي تشير إليها الآيات هنا ، وأن يكون الجسد هو هذا الوليد الشق . ولكن هذا مجرد احتمال . . أما قصة الخيل فقيل : إن سليمان - عليه السلام - استعرض خيلاً له بالعشي . ففاتته صلاة كان يصليها قبل الغروب . فقال ردوها عليّ . فردوها عليه فجعل يضرب أعناقها وسيقانها جزاء ما شغلته عن ذكر ربه . ورواية أخرى أنه إنما جعل يمسح سوقها وأعناقها إكراماً لها لأنها كانت خيلاً في سبيل الله . . وكلتا الروايتين لا دليل عليها . ويصعب الجزم بشيء عنها .

ومن ثم لا يستطيع متثبت أن يقول شيئاً عن تفصيل هذين الحادثين المشار إليهما في القرآن .

وكل ما نخرج به هو أنه كان هناك ابتلاء من الله وفتنة لنبي الله سليمان - عليه السلام - في شأن يتعلق بتصرفاته في الملك والسلطان كما يبتلي الله انبياءه ليوجههم ويرشدهم ، ويبعد خطاهم عن الزلل . وأن سليمان أناب إلى ربه ورجع ، وطلب المغفرة ؛ واتجه إلى الله بالدعاء والرجاء :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَقَالَ إِنِّيٓ أَحۡبَبۡتُ حُبَّ ٱلۡخَيۡرِ عَن ذِكۡرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ} (32)

وقوله : { فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ } ذكر غير واحد من السلف والمفسرين أنه اشتغل بعرضها حتى فات وقت صلاة العصر والذي يقطع به أنه لم يتركها عمدا بل نسيانا كما شغل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر حتى صلاها بعد الغروب وذلك ثابت في الصحيحين من غير وجه ، من ذلك عن جابر قال : جاء عمر ، رضي الله عنه يوم الخندق بعد ما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش ، ويقول : يا رسول الله ، والله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والله ما صليتها " فقال : فقمنا إلى بُطْحَان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب .

ويحتمل أنه كان سائغا في ملتهم تأخير الصلاة لعذر الغزو والقتال . والخيل تراد للقتال . وقد ادعى طائفة من العلماء أن هذا كان مشروعا فنسخ ذلك بصلاة الخوف ومنهم من ذهب إلى ذلك في حال المسايفة والمضايقة ، حيث لا يمكن صلاة ولا ركوع ولا سجود كما فعل الصحابة رضي الله عنهم في فتح تستر ، وهو منقول عن مكحول والأوزاعي وغيرهما والأول أقرب ؛ لأنه قال بعدها : { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ }

قال الحسن البصري . قال : لا والله لا تشغليني عن عبادة ربي آخر ما عليك . ثم أمر بها فعقرت . وكذا قال قتادة .

وقال السدي : ضرب أعناقها وعراقيبها بالسيوف . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : جعل يمسح أعراف الخيل ، وعراقيبها حبالها . وهذا القول اختاره ابن جرير قال : لأنه لم يكن ليعذب حيوانا بالعرقبة ويهلك مالا من ماله بلا سبب سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها ولا ذنب لها . وهذا الذي رجح به ابن جرير فيه نظر ؛ لأنه قد يكون في شرعهم جواز مثل هذا ولا سيما إذا كان غضبا لله عز وجل بسبب أنه اشتغل بها حتى خرج وقت الصلاة ؛ ولهذا لما خرج عنها لله تعالى عوضه الله تعالى ما هو خير منها وهي الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب غدوها شهر ورواحها شهر فهذا أسرع وخير من الخيل وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل حدثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن أبي قتادة وأبي الدهماء - وكانا يكثران السفر نحو البيت - قالا أتينا على رجل من أهل البادية ، فقال البدوي : أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يعلمني مما علمه الله تعالى وقال : " إنك لا تدع شيئا اتقاء الله - عز وجل - إلا أعطاك الله خيرا منه " .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَقَالَ إِنِّيٓ أَحۡبَبۡتُ حُبَّ ٱلۡخَيۡرِ عَن ذِكۡرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ} (32)

وقوله : ( فَقالَ إنّي أحْبَبْتُ حُبّ الخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبّي حتى تَوَارَتْ بالحِجابِ ) : وفي هذا الكلام محذوف استغني بدلالة الظاهر عليه من ذكره : فَلهِيَ عن الصلاة حتى فاتته ، فقال : إني أحببت حبّ الخير . ويعني بقوله : ( فَقالَ إنّي أحْبَبْتُ حُبّ الخَيْرِ ) : أي أحببت حبا للخير ، ثم أضيف الحبّ إلى الخير ، وعنى بالخير في هذا الموضع الخيل والعرب فيما بلغني تسمي الخيل الخير ، والمال أيضا يسمونه الخير . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( فَقالَ إنّي أحْبَبْتُ حُبّ الخَيْرِ ) : أي المال والخيل ، أو الخير من المال .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن السُدّيّ قالَ : ( إنّي أحْبَبْتُ حُبّ الخَيْرِ ) قال : الخيل .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : ( نّي أحْبَبْتُ حُبّ الخَيْرِ ) قال : المال .

وقوله : ( عَنْ ذِكْرِ رَبّي ) يقول : إني أحببت حبّ الخير حتى سهوت عن ذكر ربي وأداء فريضته . وقيل : إن ذلك كان صلاة العصر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( عَنْ ذِكْر رَبّي ) عن صلاة العصر .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ( عَنْ ذِكْرِ رَبّي ) قال : صلاة العصر .

حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا أبو زرعة ، قال : حدثنا حيوة بن شريح ، قال : حدثنا أبو صخر ، أنه سمع أبا معاوية البجلي من أهل الكوفة يقول : سمعت أبا الصّهباء البكري يقول : سألت عليّ ابن أبي طالب ، عن الصلاة الوسطى ، فقال : هي العصر ، وهي التي فتن بها سليمان بن داود .

وقوله : ( حتى تَوَارَتْ بالحِجابِ ) يقول : حتى توارت الشمس بالحجاب ، يعني : تغيبت في مغيبها ، كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثنا ميكائيل ، عن داود بن أبي هند ، قال : قال ابن مسعود ، في قوله : ( إنّي أحْبَبْتُ حُبّ الخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبّي حتى تَوَارَتْ بالحِجابِ ) قال : توارت الشمس من وراء ياقوتة خضراء ، فخُضرة السماء منها .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( حتى تَوَارَتْ بالحجابِ ) : حتى دَلَكَتْ براح . قال قتادة : فوالله ما نازعته بنو إسرائيل ولا كابروه ، ولكن ولوه من ذلك ما ولاه الله .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ( حتى تَوَارَتْ بالحجابِ ) : حتى غابت .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَقَالَ إِنِّيٓ أَحۡبَبۡتُ حُبَّ ٱلۡخَيۡرِ عَن ذِكۡرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ} (32)

وأصل تركيب { أحْببتُ حبَّ الخيرِ } : أحببتُ الخير حُبًّا ، فحول التركيب إلى { أحببتُ حب الخيرِ } فصار { حُبَّ الخيرِ } تمييزاً لإِسناد نسبة المحبة إلى نفسه لغرض الإِجمال ثم التفصيل كقوله تعالى : { وفجرنا الأرض عيوناً } [ القمر : 12 ] وقول كعب بن زهير :

أكرم بها خلة

وقولهم : لله دره فَارساً .

وضمن { أحْبَبْتُ } معنى عَوَّضت ، فعدِّي ب { عن } في قوله : { عن ذِكرِ ربي } فصار المعنى : أحببت الخير حبّاً فجاوزت ذكر ربي . والمراد بذكر الرّب الصلاة ، فلعلها صلاة كان رتبها لنفسه لأن وقت العشي ليست فيه صلاة مفروضة في شريعة موسى إلا المغرب .

و { الخير } : المال النفيس كما في قوله تعالى : { إن ترك خيراً } [ البقرة : 180 ] . والخيل من المال النفيس . وقال الفراء : الخير بالراء من أسماء الخيل . والعرب تعاقب بين اللام والراء كما يقولون : انهملت العين وانهمرت . وختل وختر إذا خدع .

وقلت : إن العرب من عادتهم التفاؤل ولهم بالخيل عناية عظيمة حتى وصفوا شياتها وزعموا دلالتها على بخت أو نحس فلعلهم سموها الخير تفاؤلاً لتتمحض للسعد والبخت . وضمير { تَوارَتْ } للشمس بقرينة ذكر العشي وحرف الغاية ولفظ الحجاب ، على أن الإِضمار للشمس في ذكر الأوقات كثير في كلامهم . كما قال لبيد :

حتى إذا ألقتْ يداً في كافر *** وأجنّ عَورات الثغور ظلامها

أي ألقت الشمس يدها في الظلمة ، أي ألقت نفسها فهو من التعبير عن الذات ببعض أعضائها .

والتواري : الاختفاء ، والحجاب : الستر في البيت الذي تحتجب وراءه المرأة وغيرها ومنه قول أنس بن مالك : فأنزل الله آية الحجاب .

والكلام تمثيل لحالة غروب الشمس بتواري المرأة وراء الحجاب وكل من أجزاء هذه التمثيلية مستعار ؛ فللشمس استعيرت المرأة على طريقة المكنية ، ولاختفائها عن الأنظار استعير التواري ، ولأُفق غروب الشمس استعير الحجاب .

والمعنى : عرضت عليه خيله الصافنات الجياد فاشتغل بأحوالها حباً فيها حتى غربت الشمس ففاتته صلاة كان يصليها في المساء قبل الغروب ، فقال عقب عرض الخيل وقد انصرفت : إني أحببتُ الخيل فغفلت عن صلاتي لله .

وكلامه هذا خبر مستعمل في التحسر كقول أم مريم { رب إني وضعتها أنثى } [ آل عمران : 36 ] .